الثلاثاء، 1 يونيو 2010

اخترتُ الحريّــة

د. وفـاء سـلطان

سأحرق تلك النفايات حتى ولو احترقتُ معهــا، فباحتراقها يظهر الجمـالُ، وباحتراقي أضيءُ ذلك الجمـال!

يقول الشــاعر الكبير نزار قباني: في عالمٍ غير طبيعي كهذا العالم العربي، لا بدّ أن تكون الكتابة، هي الأخرى، غير طبيعية. فنحن لا نكتب، وإنما نمشي على لوحٍ من الزجاج المكسور، والكاتب العربي أمام خيارين إما أن يأكلَ الزجاجَ وإما أن يمشيَ عليه. إما أن ينتحرَ بكلامه وإما أن ينتحرَ بصمته. أي أنه في كل الأحوال مسافر بين انتحارين، ولا أمل في معاهدة فك ارتباط بين لحم الكاتب وبين أسنان القرش السابح في بحيرة السياسة العربية!

*********

لقد تغوّطت أسماك القرش يا نزار ديداناً صغيرة متناهية في الصغر، التصقت بنعالنا، هاجرت معنا، خرجت علينا في غربتنا من ثقوب أحذيتنا، أنشبت كلاليبها في لحومنا، امتصّت دماءنا في محاولة لقتلنا بالسكتة الدماغية.

أراقب تلك الديدان تحت عدسة مجهري، تسعدني ردود أفعالها على المضادات الحيوية التي أسقطها فوقها.. أتابع تجاربي بفخر واعتزاز لأنني على يقين بأنني سأطهّر ساحة مِجهري ومَهجري من نجاستها عاجلاً أو آجلاً!..

ثلاثون عاماً من عمري يا نزار عشــتُها في الوطن وأنا أنتحر صمتاً. أراهم يذبحونه فأنتحرُ صمتــاً..

يدجّلون بحبّـه فأنتحر صمتـاً.. ينافقون بشرفه فأنتحر صمتاً.. يعهرون بقداسته فأنتحر صمتـاً..

وقبل أن يقتلني صمتي اخترتُ الحرية وأشكر الله أنْ كان لي ما اخترت..

أعرف أنكم استطعتم أن تخنقوا صوتي في وطني الأم الذي ما زال يعيش في عمق وجداني، لكنه في هذا العالم الحر أقوى من كل نفاقكم، وأعتى من كل أباطيلكم، سيخترق الكرة الأرضية من قطبها وسيصل إلى هناك ـ عاجلاً أم آجلاً ـ نقياً.. قوياً.. مؤمناً!.. وسيغنّي مع نزار:

لأنّ شـــعري كله،

حربٌ على المغول والتتار والبرابــرة،

يشتمني الأقـزام والســماســــرة!..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق