الثلاثاء، 1 يونيو 2010

أيّ مسخٍ سَتُنْجبُ أمَّـةٌ رَحْمُها مقبرة؟!

(المقالة التالية هي ردّ للدكتورة وفاء سلطان على تعليقين على مقال سابق لها بعنوان، "يا جلالة المفتي، السلام يحتاج إلى عقل والحرب إلى شلة مجانين." نشرت التعليقين صحيفة عربية تصدر في كاليفورنيا، وفي ردّ الدكتورة وفاء إشارات كافية لما ورد في التعليقين المذكورين.)

***********

د. وفاء سلطان 13 يونيو 2002

خطب المفتي وسط نفر من الشبان الصغار قائلاً: إنشاء الله ستسقط الولايات المتحدة الأمريكية.. قسماً بالله ستسقط..

ردّ السيد محمد الزنّاني على مقالتي التي تناولت بها خطبة المفتي قائلاً: كان صاحب الفضيلة يدعو إلى الحب والرحمة، لا إلى الدمار والقتل والخراب كما ادّعت وفاء سلطان!!

تسمّرت في مكاني بعد قراءة الرد!..

إن العقول إذا ارتقت التقت. كيف سألتقي برجل تفصلني عنه عشرة آلاف سنة ضوئية؟!.. كيف ألتقي برجل تبرمجت كل خلية من خلايا دماغه كي يرى الوزّة عنزة حتى ولو طارت؟!.. كيف سأقنعه بأن للعنزة ذيلاً وأربعة قوائم وللوزة منقاراً وجناحين؟!!

يقول المثل العامي، "النقطة الدايمة علاّمة"، ذلك أن قطرة المطر إذا تابعت سقوطها لاستطاعت أن تحفر شقاً في الصخر الصلد!

أنعم الله علي بسماء تهطل في الفصول الأربعة. تخون خالقَها كل سماء تحجب ماءها، لذلك قررت بعد ترددٍ مضنٍ وشاق ترددٍ، لو نجح لأجحفَ بحق قارئي قبل أن يجحف بحقي قررت أن أقطر دوماً علّني أستطيع يوماً أن أحفر بئراً في صحراء العقل العربي!!

********

عندما ابتهل صاحب الفضيلة أو السماحة ولكم أن تبجّلوه بما شئتم من الألقاب إلى الله وقال: إن شاء الله ستسقط أمريكا، كانت نواياه سليمة جداً!.. فهو بذلك يدعو إلى الرحمة والخير ولم يقصد أن يموت ثلاثة مائة مليون أمريكي!

لقد التبس عليّ الأمر بسبب فهمي القاصر! فالمفتي مستاء من الانهيارات الأخلاقية في أمريكا ويدعو الله أن يصلح مجتمعها!

لو نظّف صاحب الفضيلة بيته لبدت المدينة كلها نظيفة!

ألا يعرف أن الخليفة كان يتحدّث عنه عندما قال: والله لو تعثرت دابةٌ بأرض العراق ولم يقل له لو ماءت قطة بوس أنجلوس لرأيتني مسؤولاً عنها.

هل نظّف بيته وســما بأخلاق أهله كي يتفرّغ لإصلاح أمريكا؟.. إليكم بعض الإحصائيات التي يصعب على صاحب الفضيلة أن يقرأها:

- لا تزيد نسبة اللواط في سان فرانسيسكو عن نسبته في دول الخليج العربي!

- أربعون امرأة قتلت في عام واحد في الضفة الغربية دفاعاً عن الشرف (!!!) هل قتلت عصابات لوس أنجلوس ونيويورك مجتمعة أعلى من هذا الرقم!!..

- تقارير الأمم المتحدة أكدت أن أفغانستان وسكانها المجاهدين مصدر ثلاثة أرباع الأفيون الموجود في العالم (تقرير بعنوان، الأفيون لتمويل "جهاد" المجاهدين، روز اليوسف العدد 3731 )

- بلغ عدد حالات الإيدز في لبنان (إحصائية 1996 ) 700 حالة دُوّنت معظمها في سجلات المستشفيات تحت تشخيص "سـرطان"!!

- طالعتني صحيفة Press Enterprise لهذا الصباح (العاشر من حزيران) نبأ مقتل 19 شخصاً في السعودية يوم البارحة بسبب تناولهم بعض العطورات الحاوية على نسبة عالية من الكحول بينما نقل 17 شخصاً غيرهم إلى المستشفى في حالة خطيرة!

هذا غيض من فيض. وباختصار شديد جداً، لو كان المفتي شعيرة من شعائر الإسلام لاحتجّ على كل منكر رآه!! هل سمعت يوماً المفتي يقول: لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها؟!.. والله لو فعل ذلك لبدأ بيده!!

ألم ترَ المفتي يوماً وفي إحدى المناسبات الدينية، متصدراً شاشة التلفزيون عبر بث مباشـر، وهو يسهب في مدح عدالة الحكومة وحكمة قيادتها إلى حد يختلط فيه الأمر عليه وعلينا: هل المناسبة عيد المولد النبوي أم عيد ميلاد السيد الرئيس!

لا قصره يقل عظمة عن قصر الحاكم، ولا أفراد أسرته وحاشيته أكثر رحمة وعدلاً.. لذلك، طبعاً.. لماذا لا يمدح؟!!..

مفتي في بلد إسلامي ما، شجب التفجيرات الانتحارية في فلسطين واعتبرها جرائم، ومفتي في بلد آخر صفق لها واعتبرها استشهاداً!.. هل سألتم ضمائركم يوماً بنقاء وصفاء: لماذا اختلف هذا مع ذاك؟! ألم يفسّر كل منهما الإسلام بناء على مصلحة الحاكم وبالتالي مصلحته؟

تسلّم صاحب الفضيلة مهام منصبه بفرمان من الحاكم وليس بأمر من الله. الحاكم باطل وما بُني على باطل فهو باطل!

ارجعوا إلى التصريحات التي أدلى بها مفتي مصر عقب زيارة السادات إلى إسرائيل. يبدو أن وجدان الرجل العربي يسقط من سلة ذاكرته كل شوكة تَخِـزُه!!

**********

من قال لكم بأنني لا استشهد بأحد من عظماء الإسلام؟.. والله ما أحببتُ أمريكا إلا عندما نظرت إليها بعينيّ علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه وعقله): "ابحثوا عن بلدٍ سوقها مفتوحة ونهرها جارٍ وطبيبها حاذق وسلطانها عادل!

دلوني على بلد إســلامي يتمتع بشرط واحد من هذه الشــروط الأربعة كي أحزم حقائبي وأعود إليه اليوم قبل غدٍ.

لم يقل عليٌّ ابحثوا عن بلد يعيش بها المفتي واقبعوا في ظل فتــواه!.. هل كلّف المفتي خاطره، ومرّ أمام باب السفارة الأمريكية في عاصمة بلاده، كي يرى نساء المسلمين وأطفالهم وعجائزهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء؟!.. هل تساءل يوماً: لماذا يهرب هؤلاء.. من أين، وإلى أين؟!.. أمن بلاد الله (!!!!) إلى بلاد الكفر والرذيلة والإلحاد (!!!!)

يسألني السيد القارئ: هل كانت أمريكا يوماً صديقة للعرب والمسلمين؟..

الصداقة يا سيدي استحقاق تكسبه بعرق جبينك وليست صدقة يمن عليك بها الآخرون.

هل تثق بصداقة جارٍ لك يغرز كل فرد من أفراد أسرته السكين في رقبة الآخر؟..

ستصادقكم أمريكا، وبالتالي العالم كله، عندما تصادقون أنفسكم!.. ستصادقكم عندما تصادق سوريا لبنان والكويت العراق والسعودية اليمن، واليمن الجنوبي شقه الشمالي، ومصر ليبيا، ومراكش الجزائر!..

ستصادقكم عندما يتصادق حمد مع بطيمان، وعبس مع ذبيان، ومحمد الزناني مع وفاء سلطان!

حكامكم المستبدون هم أصل البلاء.. ألم تملّوا بعد من العزف على هذا الوتر؟!..

لقد أعزّكم الله في صدر الإسلام بأربعة خلفاء راشدين، قتلتم ثلاثة منهم على التوالي، ومنذ ذلك الحين والخليفة الإسلامي يرفض أن يكون راشــداً خوفاً على نفسه، فيبدأ بقتل رعاياه قبل أن يقتلوه!

إن أمة تقتل خلفاءها الراشدين تستحق أن تُبلى بغير الراشدين.. حكامكم المستبدون هم أنتم يا سيدي!.. غيروا أنفسكم قبل أن تغيّروا هؤلاء الحكام.

************

أنا لست بحاجة لأن أرجع إلى كتب التاريخ كي أتأكد من صحة وادّعاءات الأرمن. كانت جدتي، رحمها الله، بأميتها وبساطتها أصدق مرجع للتاريخ. قصّت عليّ حكاية الحضارة العثمانية وكيف تعامل الأتراك مع الأقليات في سورية. حرقت الجاندرما التركية رجال قريتها أحياء أمام ناظريها، وبرعت في احترام النساء.

أنا متأكدة أن تركيا اليوم تدرّس في مناهجها الدراسية بان الجيش الإنكشاري كان أرحم فاتح في التاريخ وبأن الحضارة التي خلفتها في البلاد العربية تدلّ على عظمتها!

أستغرب كيف يقيمون حضارة في البلاد التي يفتحونها ويقضون على كل أثر للحضارة في بلادهم الأصلية!.. تلك معادلة يصعب عليّ فهمها!

إذا كنا مختلفين حول هذا التاريخ، أرجوك تعال نغلق هذا الباب ونبدأ بقراءة الحاضر، فنحن هنا لسنا بحاجة إلى كتب وشهود إذ قد اصبح بإمكان العين ان تبصر ما دنا وما نأى.

هل تسمع اليوم بسلطة بابوية تصدر فرماناً بالقتل على من يعترض على تعاليمها؟..

المجتمع الأمريكي على حدّ تعبيرك غارق في الكفر والإلحاد حتى شحمة أذنيه!.. لماذا لا تنصب الكنيسة اليوم محارقاً لهؤلاء الكافرين المتمردين على سلطتها؟.. أتراها لا تفعل ذلك لأنها فقدت قوتها أم لأنها قد راجعت حساباتها فعرفت حدّها ووقفت عنده؟..

هل تسمع اليوم أيضاً بأن حاخاماً يهودياً قد رصد مليوناً من الدولارات لمن يقتل مرتداً أو ملحداً؟

لكن لا شكّ في أنك تسمع، كما أسمع أنا كل يوم بأخبار التكفير والتهديد بالقتل وقرارات الطلاق التعسفي والنفي التي يتعرض المفكرون في البلاد الإسلامية.

بعد هذه الدراسة السريعة والقصيرة، ألا زلت مصمماً على إقناعي بأن طارق بن زياد كان أكثر رحمة ورأفة وتسامحاً مع سكان البلاد الأجنبية التي "فتحها" مما نحن عليه الآن مع أبناء جلدتنا وديننا؟

قل لي أين تقف الآن يا سيد محمد أقول لك من أين أتيت.

************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق