الثلاثاء، 1 يونيو 2010

نحن بخير.. ما زال لساننا يقرقع!

د. وفاء سلطان، 20 مايو 2003

لقد تجوّف الرأس العربي ولم يعد بداخله سوى لسانه، يقرقع في فراغه، مفتخراً بصوته، جاهلاً حجم جوفه!

  • عام 1976 خرج الرئيس جمال عبد الناصر إلى الشعب العربي معلناً: قامت الطائرات العربية بدك مطار تل أبيب في عمق إسرائيل.

صدّق الشعب رئيسه ليكتشف بعد ستة أيام فقط أن الطائرات الإسرائيلية قد دمّرت الجبهتين المصرية والسورية وأن ما أعلنه السيد الرئيس لم يكن بمجمله سوى قرقعة لسان!

  • في أواخر الثمانينات، كانت سورية ترزح تحت نظام اقتصادي منهار والشعب برمته على حافة مجاعة. لم تكن حصة العائلة السورية من المؤن في الشهر تتجاوز علبتين من السردين، لتر من زيت المازولا، 2 كيلو غرام من السكر، 2 كيلو غرام من الأرز.

في ذلك الحين افتُتِح الجناح السوري في معرض دمشق الدولي تحت شعار، "سوريا سلّة خبز العالم"!!

لم تخرج شعاراتنا يوماً عن كونها قرقعة لسان!

  • في أوائل التسعينات ـ وكنت حديثة العهد في أمريكا ـ التقيت في بيت أحد الأصدقاء بالسيد إنعام الجندي. قدموه لي على أنه مفكّر عربي كبير!

لم يمضِ إلا زمن قصير حتى فهمت مقاييس "التفكير" لدى جاليتنا العربية. جاء هذا المفكر الكبير إلى أمريكا محملاً بالوعود لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المهللين والمصفقين من عرب المهجر للسيادة الصدامية.

أحدثَ وجود هذا المفكّر بوعوده البرّاقة في الجالية العربية شرخاً كبيراً. كل مستقطب جديد يحاول أن يتمسّك برداء المفكّر ويشدّه إلى طرفه آملاً بحصّة الأسد من عطاياه!

لن أدخل في دقائق حياة هذا الرجل، فحديث الجالية عن ماضيه وارتباطاته يكفي لتسليط الضوء على خلفيات كراهيته لهذا البلد الذي أكرمه وآواه ولا زال يطعمه..

كان أول ما قرأت لهذا "المفكّر" مقالة صغيرة نشرتها إحدى الصحف المهجرية على صفحتها الأولى تحت عنوان كبير، "سأصفّق لأمريكا بالحذاء"!!

ألهب العنوان مشاعر الكثيرين من عرب المهجر: ما زال هناك مفكّر عربي يستطيع أن يصفّق لأمريكا بالحذاء وهو يعيش في قعر دارها!!

صفّقتْ أمريكا لصدّام وذيوله بالحذاء، وما زال "مفكّرنا الكبير" يتسكّع في شوارعها باحثاً عن حذاء يستر به عقله الحافي.

هذا هو الفكر العربي.. لا يخرج عن كونه قرقعة لسان!!

  • زار المناضل الأردني الإسلامي ليث شبيلات لوس أنجلوس منذ عدة سنوات، والتقى بأبناء الجالية العربية ليخطب فيهم: نحن جاهزون الآن لقيادة العالم!..

تمنيت لو ارتقى أحد من الحضور بمستوى تفكيره إلى حدّ السؤال: تحدّث لنا يا سيدي "الليث" عن ماهيّة هذه الجاهزيّة. هل هي جاهزيّة عسكرية، اقتصادية، سياسية، أخلاقية، أم مجرّد قرقعة لسان؟!!..

  • سفير إحدى الدول العربية وبمناسبة عيد استقلال بلاده، التقى بعرب المهجر وخطب فيهم قائلاً: أنا فخور بكم.. أنتم نجومنا المتلألئة في سماء الغربة.

يا سيدي السفير، لم يكن هدفنا يوماً أن نصبح نجوماً في سماء الغربة. كنا نحلم أن نكون مواطنين عاديين.. جداً عاديين، نأكل ونشرب ونعيش تحت سماء الوطن بكرامة.. بكرامة.. بكـــرااااااااامــــة يا سعادة السفير. ولكن جشـعكم وقلة أدبكم وأخلاقكم وانهيار قيمكم ومثلكم وأعرافكم، والبلايين التي تدفنونها في بنوك الغرب وتحت الأرض، طاردتنا وشردتنا في أصقاع الغربة!

أن أكون الثاني في قريتي ـ يا سعادة السفير ـ خير لي من أن أكون الأول في أمريكا!!

أنا لست فخورة لأنك فخور بي، ولا أعتبر كلامك سوى قرقعة لسان!

  • التقيت مؤخراً بمهندس عربي ودخلت معه في نقاش حاد حول الأزمة في العراق، وإذ بي أفاجأ بقوله: يا سيدتي، صدام حسين رجل عبقري لو أتيح له أن يقودنا لوصل بنا إلى بر الأمان. أنا زرتُ العراق وملمٌّ تماماً بقدراته العسكرية والقتالية، صدام حسين يشتري الدبابة من روسيا أو كوريا أو الصين ويصهرها في معامله ليصنع منها دبابتين.

وشهقت: يا إلهي.. مع من أتحاور؟!!.. صارت حواراتنا قرقعة لسان!!

  • مؤخراً، قام رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري بزيارة إلى الكويت. غطّت الزيارة صحيفة كويتية بقولها: كان الاستقبال حافلاً وقد بدد الغيوم المتراكمة في سماء العلاقات بين البلدين إلى الحدّ الذي تحوّلت عنده المحادثات بين المسؤولين إلى سوالف.

متى لم تكن محادثات المسؤولين العرب سوالفاً؟.. ومتى لم تكن سوالفهم قرقعة لسان؟!!

  • وصلني من الصديق القارئ الأستاذ جميل يعقوب هدية ثمينة وهي عبارة عن كتاب بعنوان "يوم انحدر الجمل من السقيفة" للكاتب والمفكّر السوري نبيل فيّاض.

تعرّفي على نبيل من خلال هذا الكتاب أثار لديّ أملاً جديداً في زمن القرقعة.. ما زال هناك عربيٌّ يفكّر!!

الكتاب عبارة عن ردٍّ من الكاتب على الاتهامات المغرضة التي أشاعها بحقه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الأستاذ في كليّة الشريعة بجامعة دمشق وعميدها الأسبق، خطيب جامع دنكز الدمشقي، وصاحب المؤلفات العديدة التي يمكن أن تعبّر عن فكر طائفة السنّة وعقائدها (على حدّ تعبير المؤلّف)

لن آتي على ما جاء في الكتاب، ولكني سأنقل حرفياً المقطع الأخير منه والذي يلخّص الكاتبُ من خلاله كلّ ما يريد قوله:

"وأمّا بالنسبة للألفاظ الجارحة التي يستخدمها العلامة نقول: تذكر المصادر الإسلامية المعتمدة من سيادة الشيخ أن معاوية بن أبي سفيان أحرق، عن طريق عامله معاوية بن خديج، محمد بن أبي بكر بعد قتله وإلقائه في جيفة حمار، وحتى هذه المسألة عادية بالنسبة لمعاوية وممارساته، لكن غير العادي أن تقوم أم حبيبة بنت أبي سفيان، أخت معاوية، وزوجة النبي (يعني من أمهات المؤمنين) بشيّ كبشٍ وإرساله إلى أم المؤمنين الأخرى عائشة بنت أبي بكر، أخت محمد القتيل، تشفّياً بقتل محمد. الأغرب من كل ذلك أن تقول أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) لأم المؤمنين أم حبيبة (محبّة التشفّي): "قاتل الله ابنة العاهرة، والله لا أكلتُ شواءً بعده أبداً!.. فإذا كانت هذه أخلاق وممارسات اللواتي يعتبرهنّ البوطي أمثولة، لا عجب إذاً أن يستخدم الشيخ ألفاظاً قد تثير اشمئزاز آخرين تربّوا على أمثولات مختلفة ـ مختلفة بالكامل!!! ""

  • أمام هدير آلة الحرب الأمريكية خمدت قليلاً القرقعة العربية. اتصلت بأختي أطمئن عليها في تلك الظروف العصيبة فردّت: انتظري يا وفاء.. ستكون بغداد مقبرة للأمريكان!..

ـ وكيف عرفتِ يا أختـــاه؟!..

ـ ألا تستمعين إلى الصحّاف؟!..

أغلقتُ السمّاعة وأنا أبكي!.. لم أكن أبكي على الأمريكان، بل على أختي والصحّاف!

صار محمد سعيد الصحّاف وزير إعلام العراق خلال تلك الحرب القصيرة الأمد نجماً تلفزيونياً عشقته ربات البيوت وبقبق الرجال مياه نراجيلهم في المقاهي العربية على أنغام قرقعاته.

كان يطلّ بين الحين والآخر على شاشات التلفزيون:

هؤلاء الأمريكان أوغاد.. أولاد حرام.. عكاريت.. قوّادين.. علوج ليس لهم أثر في المطار.. سحقناهم سحقاً.. هم محاصرون في أمّ القصر والناصرية وسينتحرون على جدار بغداد.. رامسفيلد كلب مجرم وبلير الإيــ.. لا يستحق أن يكون حذاءً.

بهذه اللغة كان الصحّاف يمثلنا عالمياً!!

سأل صحفي أمريكي مسؤولاً سعودياً عن سرّ نجوميّة الصحّاف بالرغم من أنّ تصريحاته عن الانتصارات العراقية لا تمتّ إلى الواقع بصلة. أجاب: كي تسيطر على الإنسان العربي يجب أن تجيد العزف على الوتر الشاعري في عقله، ولقد أجاد الصحّاف هذه المهمة بمهارة! ويتابع الخبير السعودي قوله: الإنسان في الشارع العربي لا يجيد أصول الحديث أو فن الحوار، ولا يهمّه من اللغة إلا شاعريّتها حتى ولو كانت شتائماً، وبالتالي هو لا يتقن التمييز بين الوهم والحقيقة!!

ما دامت أم المؤمنين تخاطب أماً أخرى للمؤمنين بلغة الشتائم وتظل أماً للمؤمنين، سيظلّ الصحاف ـ وهو أحد هؤلاء المؤمنين ـ يمثلنا بنفس اللغة!

يقول القاصّ الأمريكي جان غاردنر: من المستحيل أن نكتب أفضل مما نقرأ!..

ماذا يقرأ العرب؟!

يقرأون تراثاً لم يدخل عليه جديدٌ منذ خمسة عشر قرناً!

يقول تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 إنّ مجموع الكتب التي ترجمت إلى العربية خلال 12 قرناً من الزمن يكاد يوازي ما تترجم إسبانيا ـ أقل دول أوروبا تقدّماً ـ في خلال عام واحد.

ترعبني تلك الإحصائية!!

كيف يستطيع الصحّاف أن يخاطب العالم بلغة أفضل من اللغة التي يقرأها في كتب التراث؟!

كي نبني مستقبلاً جديداً، نحتاج إلى ماضٍ جديد، إلى لغة جديدة، إلى مفاهيم جديدة، إلى كتب جديدة، إلى قواميس جديدة على الصحّاف أن يقرأ فيها تعريفاً جديداً لكلمة "قوّاد"؛ تعريفاً يقول: القواد هو الرجل المسؤول الذي يدفن بلايين الدولارات تحت الأرض بينما رعيته تموت من الجوع!.. القوّاد هو الرجل الذي يتغوّط في مرحاض مصنوع من الذهب الخالص بينما الأطفال في رعيّته يموتون معتلّين من شرب المياه الملوّثة!!

  • بعد سقوط نظام صدّام حسين بقليل، قام مئات الألوف من الحجاج الشيعة برحلة طويلة وشاقّة سيراً على الأقدام من بغداد إلى كربلاء، للاحتفال بذكرى عاشوراء، بعد عقود من الزمن منعهم صدام خلالها من ممارسة تلك الطقوس.

عندما راقبتُ الحدث على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد العربية والعالمية، دخلت في حالة صدمة، ورحت أبحث بلا هوادة عن الذات العربية داخل تلك الجموع، فلم أرَ سوى إنساناً أنهكه الإدمان الديني.

نساء يلطمن وجوههنّ ويضربن على صدورهنّ، ورجال يجلدون ظهورهم بالسياط المعدنية ويشقون فروة رؤوسهم وجلدة صدورهم بالسيوف والسكاكين.

مشهد إرهابي لم أرَه في حياتي. هل هذا الشعب قادر على أن يحكم نفسه بنفسه؟!! هل هو قادر على تغيير حاضره وإعادة النظر في ماضيه والتوجه نحو مستقبله؟.. أشكّ في ذلك!

سقط هؤلاء البشر ضحية حقبة تاريخية مظلمة، وظلوا رهائن ذاك الظلام. ظلوا سجناء التركيبة الفكرية والعقائدية والنفسية لتلك الحقبة.

بالنسبة لهم، توقف عقرب الزمن عن سيره، وصاروا أنفسهم خارج حدود الزمن!

لم يذكر التاريخ أن سجيناً قد كسر جدران سجنه من داخله. على عابر سبيلٍ حرٍّ أن يفعل ذلك!!

قرأت كثيراً عن علماء عراقيين خبراء في الأسلحة الجرثومية والكيميائية والنووية، لكنني لم اقرأ عن عالم عربي واحد خبير في مرض الجنون الجماعي وطرق علاجه!

دخل الإنسان العربي حالة من القمه العقلي والدنف الفكري. حالة تشكّل خطراً ـ ليس عليه وحسب ـ بل على العالم بأسره!

العالم اليوم قرية صغيرة.. ومجنون يتجول في أحد أزقتها يهدد أمن وسلامة تلك القرية بأكملها

في قانون الطب يحق للطبيب أن يصدر أمراً بالحجر القسري للمريض عندما تشكل حالته العقلية خطراً على سلامته وسلامة مجتمعه. وعلى المجتمع الدولي أن يتبنى قانوناً يحجر شعباً بكامله عندما تشكّل حالته العقلية خطراً على سلامته وسلامة مجتمعه الدولي.

في محاولة لتجسيد خطورة الإدمان الديني قال كارل ماركس: الدين أفيون الشعوب.

كارل ماركس لم يعطِ الموضوع حقّه، فالإدمان الديني أشدّ خطورة بكثير من إدمان الأفيون!

أعطني شعباً مدمناً على الأفيون أعطِكَ الأمل بعلاجه، ولكن عندما يتحوّل الله نفسه إلى جرعة أفيون، فآنذاك تصبح محاولة العلاج ضرباً من الجنون!

مدمن الأفيون يدرك في أعماق نفسه أن ما يفعله هو الخطأ بعينه، ولكن الأمر بالنسبة له خرج من يده، ولم يعد قادراً على أن يسيطر على إدمانه. بينما مدمن الدين مقتنع في أعماق نفسه بأن ما يفعله هو الصحيح بعينيه ولا يقبل أية محاولة لتحريره من إدمانه!

الطفل الذي يراقب أمه وهي تلطم وجهها، وتضرب صدرها، أو يرى والده وهو يجلد ظهره ويشق فروة رأسه وجلدة صدره، لأن الحسين قُتِلَ منذ أربعة عشر عاماً نتيجة لصراع سياسي وقبلي وعشائري، لا هُما ولا أنا، ولا أحد يدري أسبابه، ولن ندريها حتى ندري أسباب الصراع بين حزب البعث في العراق وشقيقه في سورية.

هذا الطفل الذي يشهد عنفاً لا يعرف أسبابه، هل سيخرج إلى الحياة رجلاً أرحم من صدام حسين وأقلّ بطشاً منه؟!!

*******

في زمن المقصلة الفرنسية كانوا يغطون وجه الرجل الذي يقوم بمهمة إسقاط شفرة المقصلة على رقبة المحكوم. لماذا كانوا يفعلون ذلك؟.. كي لا يحولوا ذلك الرجل إلى سفّاك دماء!!

صدام حسين لم يأتِنا من جزر الكناري ولو تلده أمه في غابات الكونغو كينشاسا. ولدته أمه في العراق، جده يزيد وخاله الحجاج بن يوسف الثقفي.

كادت المرأة أن تلد أخاها، ومن شابه أباه ما ظلم!!!

كان هارون الرشيد يأكل كل لقمة بملعقة مختلفة من الذهب الخالص تقدمها له جارية مختلفة، لكنه كان يشمر دشداشته ويقضي حاجته في العراء، وما زلنا نفتخر بهذا المجد!..

ما لذي فعله صدام حسين؟! طور نفسه وصار يتغوّط داخل قصره.. امتد ذهبه ليشمل ملعقته ومرحاضه! لماذا نحاسب صدام قبل أن نحاسب الرشيد؟ هل قطف صدام رؤوسا أقل عددا من الرؤوس التي قطفها الحجاج.. قبل أن نتساءل من صنع صدام علينا أن نجيب على سؤال من صنع الحجاج!!.. الحاكم العربي اليوم ليس أفضل من سلفه ولن يكون خلفه أفضل منه!.. طالما نزرع نفس البزرة في نفس التربة لن نحصد من الشوك ثمراً!

أمريكا لم تصنع صدام حسين. بغداد هي التي صنعته!

الحاكم العربي سلعة وطنية أنتجتها معاملنا وحقولنا وعقولنا وعقائدنا وطرق تربيتنا وعاداتنا وتقاليدنا. لا نستطيع أن نصنع رجلاً إلا خلال السنوات الأولى من عمره.

خلال تلك السنوات، يقع الطفل العربي ضحية تربية قمعية إرهابية منافية لأخلاق وعلوم العصر!

يدخل أحمد الصغير بيته فرحاً: أماه.. تلك هي بطاقتي المدرسية.. حصلتُ على تقدير جيد في كل المواد. وتقفز أم أحمد من مكانها: وعلي.. علي ابن الجيران؟!..

يرد أحمد: ثلاث جيدات وثلاث وسطات!

تمسك أم أحمد بطاقة ابنها وتهرع إلى بيت الجيران!

رسالتها التربوية إلى ابنها تقول: لا يهمني تفوّقك بقدر ما يهمني فشل عليّ. تلك هي قيمنا التربوية. لا يعنينا من ربحنا سوى خسارة الغير، ولا يعني هذا الغير من خسارته سوى ربحنا.

ألا عاشت أمةٌ ترى في أم أحمد مثالاً حيّـاً تتخذه لتربية أجيالها!

********

سُــئِلَ مؤخراً وزيرٌ لبناني: هل تحررتم من الطائفية بعد الحرب الأهلية؟ أجاب: نعم، ودخلنا في عصر المذهبية!!

لا ينتابني أدنى شكّ بأنّ الخلاف بين عديّ وقصيّ صدام حسين أكثر عمقاً من الخلاف بين شيعة الجنوب والسنة في بغداد، أو بين العرب والأكراد في الشمال. لم يعد خلافنا فقط على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي. صار على الصعيد الشخصي. لم يعد أحدٌ فينا يقبل أحداً. صارت عين اليمين عند الإنسان تصارع عينه اليسار. تجزّأ الجزء وصار الشلُّ أشلاء!!!

كنا نقرأ ونحن أطفال في كتب التراث مفتخرين بعراقتنا في الإنصاف والعدالة وحب السلام. كنا نقرأ قول أبي ذر الغفاري: أعجب من رجلٍ ينام جائعاً ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه!

لماذا يخرج على الناس شاهراً سيفه؟!.. لماذا لا يخرج إلى الحقل حاملاً فأسه!!

إنّ الأمّة التي تعلّم أبناءها أن يأكلوا بحدّ السيف ستموت جوعاً!

لا يمكن.. لا يمكن.. لا يمكن أن ينتصر السيف قبل أن ينتصر الفأس، وحبة القمح كي تطعمك، تتوقّع منك أن تشقّ لها الأرض لا أن تشقّ رؤوس البشر!

يقول نابليون بونابرت: الجندي الجائع لا ينتصر!

كانت طائرات الهليكوبتر تحلّق فوق الجيوش الأمريكية المتقدّمة على مشارف بغداد في مواقيت غاية في الدقّة لترمي بالوجبات الغذائية الساخنة والمتضمنة كافة القيم الغذائية بالإضافة إلى الماء والملعقة والشوكة والمحارم الورقية المعقمة. بينما كان فدائيو صدّام يقتحمون بيوت الناس علّهم إذا صادفهم الحظ يعثرون على كأس من الشاي أو جرعة ماء!

لقد تجوّف الرأس العربي ولم يعد بداخله سوى لسانه يقرقع في فراغه، مفتخراً بصوته، جاهلاً حجم جوفه. ويبقى السؤال: هل سينجح الأمريكان حيث فشلنا؟..

هل سينجحون في زرع دماغ داخل الرأس العربي وربط هذا الدماغ بلسانه؟.. لستُ متفائلة، رغم أنني على يقين بأنهم سيكونون وفي أسوأ الأحوال أفضل من أفضل حاكمٍ عربي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق