الثلاثاء، 1 يونيو 2010

ما خربت أمة فيها رجل صالح!

د. وفاء سلطان 15 أكتوبر 2003

كتب السيد عبد الكريم محمود (*) في سياق رده على مقالتي، "نحن بخير ما زال لساننا يقرقع" يقول:

"لقد سبق لي وأن قرأت لكِ موضوعين مثل هذا ربما كان أحدهما مساجلة حادة مع أحد المشايخ! والآخر ذاك الذي تحدثتي فيه عن هروبك على السلم الخلفي للفندق عندما ضرب جرس الإنذار وتركت رفيقتك وراء ظهرك!!"

أريد من القارئ أن يلاحظ علامات التعجّب التي أنهى بها السيد محمود عبارته!

هو مستغرب كيف أهرب ولا أجير رفيقتي عندما استجارت بي، محاولة منه أن يوهم القارئ: تلك هي وفاء سلطان امرأة جبانة لا تقيم للصداقة وزناً! هذا كل ما جاء في مقالتها!

تقتضي أخلاق المهنة أن ننقل ما نقرأه بأمانة وصدق وإخلاص، دون أن نعمد إلى بتره وتشويه الحقائق التي وردت فيه.

نعم، أنا هربت ولم أُجِرْ صديقتي عندما استجارت بي، ولكنني كتبت القصة في سياق حديثي عن التربية العربية التي فشلت في تأنيس الإنسان العربي، وضربت أمثلة كثيرة على ذلك، منها تصرفي مع صديقتي ثم اعتذاري بعد أن توصلت إلى أسباب ذلك التصرف ودواعيه!

الاعتراف بالخطأ يا سيدي فضيلة! عندما تحاول كاتبة كوفاء سلطان أن تُصلح شعبها فتبدأ بنفسها وتعترف بخطئها ثم تعتذر عن هذا الخطأ إنما هو ذروة الفضيلة. وعندما تتعامى أنت وأمثالك عن تحلّي وفاء سلطان بتلك الفضيلة، إنما هو قمة الرذيلة!

تصرفي مع صديقتي ليس خطأ مسكته عليّ، وإنما قرأتَه في اعترافاتي، لذلك ليس من حقك أن تحاسبني عليه بل ومن واجبك أن تثني عليّ للاعتراف به!

لو اعترف كل منكم بخطئه وأثنى على الآخر على هذا الاعتراف، لكنت الآن تتمختر مزهواً في شوارع بغداد ولست تستجدي لقمتك مهزوماً مكسوراً ذليلاً في شوارع لوس أنجلوس!

التربية العربية لا تشجّع الإنسان على الاعتراف بأخطائه، فما بالك بجرائمه!

يُدخِلُ الإنسان العربي السكين في عين غيره ويحاول إقناع الناس بأنها ليست سكيناً بل خطاً من الكحل رسمه على مقلتها كي يزيد في جمالها! بهذا العنف الشيطاني ترتكبون أخطاءكم، وبنفس المقدار من العنف تدافعون عن تلك الأخطاء!

تعلم أدب القراءة قبل أن تكتب فالقراءة كالكتابة علم وفن وأخلاق!

المقالة المذكورة تجاوزت العشر صفحات، ورد فيها الكثير من الأفكار والحقائق التي توصلت إليها بعد جهد استنزف وقتي وطاقتي، أعيد كتابة بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

1 ـ إن الإنسان لا يولد إنساناً، وإنما يولد مخلوقاً قابلاً للتأنيس، وهنا تكمن الغاية من وجوده. عملية التأنيس هي الرسالة التي يحملها كل إنسان يأتي إلى هذا الوجود؛ المجتمع الذي حوله مسؤول عن تأنيسه وهو بدوره مسؤول عن تأنيس غيره.

2 ـ الكتب الدينية ـ رغم أهميتها ـ لم تعد تكفي لتزويد رجل الدين بالمؤهلات اللازمة للقيام بدوره في عملية التأنيس، عليه أن يدخل مخابر العلماء وينظر في مجاهرهم كي يرى بأم عينيه العمق الذي غاصوا إليه داخل الدماغ البشري، ويلمس بنفسه الحقائق الجمة التي خرجوا بها.

3 ـ الإنسان ناتج لغوي وشخصيته بجوانبها المتعددة هي حصيلة الصراع بين المفردات والمعاني السلبية والأخرى الإيجابية التي يسمعها ويتداولها في بيئته!

4 ـ كل ما يسيء إلى عملية التأنيس مرفوض، مرفوض، مرفوض! ولنبارك معاً كل قول، كل عبارة، كل لغة تساهم إيجابياً في تأنيس البشر وخلق أفراد ضمن أسرة واحدة صالحين نافعين!

5 ـ نظرة بسيطة ـ لا تتطلب جهداً كبيراً ـ على أوضاعنا وما آلت إليه أحوالنا، تعكس القحط اللغوي والفكري والعقلي والأخلاقي الذي نعيشه.

6 ـ الطريقة التي نفهم بها ديننا ونمارسه طريقة تحتاج إلى إعادة نظر، لأنها لم تعكس أثراً لنعمة عشناها على مدى خمسة عشر قرناً.

هذا غيض من فيض مما ورد في تلك المقالة التي تجاوزت ـ كما قلت ـ العشر صفحات. ولكن بلغ العمى لدى السيد عبد الكريم محمود حداً لم يسمح له بقراءة شيء من تلك المقالة إلا عملية هروبي التي تخليت بها عن صديقتي والتي تكرّس، حسب اعتقاده، جبني وغدري!!

لا أستطيع إلا أن أتخيلك شاهداً في قاعة محكمة والقاضي يستجوبك: اشهد لنا على ما كتبته وفاء سلطان. وترد: أقسم بالله وبالقرآن الكريم وبشرفي لم أقرأ سوى أنها ولت الأدبار منذ أول إنذار وتركت صديقتها وراءها. أتلك هي الشهادة التي تقابل شهادة امرأتين إن نست إحداهما ذكرتها الأخرى؟!!

طوبى لأمة أنتم رجالها، طوبى لأمة أنتم القوامون على نسائها!!

أصررتَ أن تعيش وتعشعش داخل عباءة أبي جهل فتقرأني وتنقلني للقارئ على طريقته: "فويل للمصلين" جاهلاً متجاهلاً: "الذين هم عن صلاتهم ساهون"!!

إصرارك هذا ذكّرني بقول كانت كبيرات القوم عندنا تكرره باستمرار: "ما خربت أمة فيها رجل صالح"!

أعرفت الآن يا سيد محمود لماذا آلت أمتكم إلى الخراب؟!!

**********

الصور التي أوردتها في مقالتي والتي يحاول السيد محمود الرد عليها هي صور على حد تعبيره مبعثرة وضعيفة والربط بينها ضعيف، ولم أعطِ القارئ الحقّ أن يربط بينها أو يستنتج ماهيّة الفكرة التي رميت إليها!

يا سيد محمود إني أتحدى أي قارئ في العالم وليس قارئ العربية فقط أن يستطيع الوصول إلى السطر الرابع في مقالة مفككة ضعيفة غير واضحة الصور والمعاني!

عندما يبدأ الإنسان بالقراءة، تشدّه كل عبارة إلى العبارة التي تليها، وعندما تفشل عدة عبارات في فعل ذلك يملّ ويرمي بما يحاول قراءته في سلة المهملات.

ردّك الذي أسهبت فيه دليل قاطع على أنك قرأتني حرفاً حرفاً، وفهمتني عبارة عبارة، وأوفيت مقالتي حقها في التدقيق والتمحيص من ألفها إلى يائها، ولكنك فشلت في الاعتراف بذلك! لقد قلتَ ما لا تعنيه وعنيتَ ما لم تقله، وإلا كيف تردّ على مقالة وتسهب في الرد وأنت لم تفهم الفكرة التي رمت إليها تلك المقالة؟!!

عندما أدرك بأن الجيل الجديد سيكون ناتجاً تربوياً لجيل ليس أميناً على ما يقرأ أو يكتب، افقد الثقة والأمل بالمستقبل!

***********

يتهمني القارئ بما وقع فيه. يتهمني بعدم الأمانة. فالقصة التي رويتها عن أمهات المؤمنين، لم أذكر المصدر التاريخي الصحيح الذي وردت فيه (على حد تعبيره)

لقد أشرت إلى المصدر بوضوح مطلق والمصدر أشار إلى كل مصادره، وليس من واجبي أن أكرر ذكر المصادر الفرعية الأخرى. القصة وردت في كتاب "يوم انحدر الجمل من السقيفة" للمفكر السوري نبيل فياض، وهو بالمناسبة ينتمي إلى عائلة مسلمة سنية معروفة تعيش في محافظة حمص السورية. وبإمكان القارئ أن يتصل بالكاتب عن طريق الموقع الإلكتروني الذي ينشر له مقالاته وهو www.kitabat.com وستقرأ هناك يا سيد محمود ما يسرّك (!!!)

في اللاوعي يُدرك السيد محمود بأنه لم يكن أميناً على ما قرأ ونقل. إدراكه لتلك الحقيقة يعذّبه فيخرج تلك الفكرة من حيّز اللاوعي عنده ويسقطها عليّ في حيّز وعيه!

هذا السلوك في الطب النفسي سلوك مرضي يطلقون عليه باللغة الطبية projection (الإسقاط) حيث يسقط المريض ما يعاني منه ولا يستطيع أن يتخلص منه على غيره كي يخفف من ثقله وحدّة أثره!

***********

السيد محمود مستاء لأنني أكثرت استخدام كلمات قواد، مرحاض، يتغوط.

غريب عجيب أمركم!!

"قواد" كلمة يعرف الجميع أنها أكثر استعمالاً وتداولاً في المجتمع العراقي، وهي الكلمة الأكثر وروداً في خطابات السيد الصحّاف، أعلى ممثل إعلامي للشعب العراقي، ولقد وردت في مقالتي نقلاً عنه وتعليقاً على خطاباته!

كيف تحاسبني ولا تحاسب من يمثلك عربياً وعالمياً؟!!

ثم أين الغضاضة في استخدام كلمة مرحاض؟!! المرحاض هو من المقاييس المهمة لحضارة الشعوب، ولكي تعرف رقيّ شعب عليك باستخدام مراحيضه العامة. نظافة تلك المراحيض تعكس درجة رقي ذلك الشعب!!.. أنسيت عبارة لينين، "لقد وجد الذهب لبناء المراحيض"!

كلمة "تغوط" كلمة علمية يقصد بها تخلص الإنسان من فضلاته، نستخدمها في لغة الطب ولا نستخدم "قضى حاجته". وكل مصطلح طبي يؤدي الغرض منه جدير بالاحترام والاستعمال!

يتابع السيد القارئ رده قائلاً: "إن أسلوبك في هذا المقال هو أسلوب ترفع وتكبر وتحقير لكل ما هو عربي تاريخياً وتراثياً وتربوياً وثقافياً وربما حتى دينياً. فالذي يريد أن يعلّم الناس أو يوجههم لا يشتمهم ويتعالى عليهم."

تحت عنوان "المسلمون أمة من الرعاع والمنافقين تغلب عليهم الجعجعة والرياء" كتب السيد محمد صلاح من القاهرة في جريدة الحياة وبعددها الصادر بتاريخ 10 أيار 2003 ما يلي:

ضرب شيخ الأزهر محمد سعيد الطنطاوي بيده الطاولة التي كان يتحدث خلفها وهو يوصف حال الأمة الإسلامية خلال مؤتمر افتتح أمس في القاهرة يعقد سنوياً بمشاركة عالمية واسعة ويعنى بالبحث في حال الأمة واستشراف مستقبلها.. .. جاء كلام الطنطاوي قاسياً، وبعفويته الشديدة أثار الشيخ استغراب من كانوا في القاعة الفسيحة الفاخرة في فندق كونراد على نيل القاهرة حيث عقد المؤتمر، والملايين الذين تابعوه على شاشات التلفزيون إذ اعتبر أن أمة الإسلام تحولت إلى "أمة من الرعاع والمنافقين" وإن أبناءها تغلب عليهم "الجعجة والرياء".

لماذا تتهم وفاء سلطان يا سيدي الكريم ونعفو عن سماحة الشيخ؟!! الفرق بيني وبينه كبير جداً!!

أنا لم ولن اسمح لنفسي يوماً ان اصل إلى هذه الدرجة من الإهانة والتحقير لأمة المسلمين!

نعم، أنا أحتقر التربية والتعاليم والأفكار والعقائد والعادات والتقاليد التي حولت هؤلاء المسلمين إلى أمة من الرعاع والمنافقين لكنني لا أملك شيئاً ضدهم، فهم أولاً وأخيراً أبي وأمي وأخوتي وأخواتي وزوجي وابني وبناتي، ويحتقر نفسه من يحتقر أهله!

لكنني منذ اللحظة الأولى التي بدأت الكتابة وحتى تاريخ تلك اللحظة وأنا بلا كلل أو ملل أبحث عن الأسباب والظروف التي آلت بهؤلاء البشر إلى هذا الدرك من الانحطاط!

عندما تتلو على طفلٍ لم يتجاوز بعد سنواته الأولى "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله" قبل أن تتلو عليه إن الله يحب الذين يزرعون في سبيله.. الذين يبنون في سبيله.. الذين يكتبون وظائفهم المدرسية.. الذين يُفرشون أسنانهم.. الذين ينظفون غرفهم.. عندما تتلو ذاك قبل هذا تكون قد ساهمت من حيث لا تدري في خلق جيل من الرعاع والمنافقين!!!

"علموا أولادكم الصلاة في السابعة واضربوهم عليها في العاشرة"، هذا أسلوب تربوي إرهابي يساهم أيضاً في خلق جيل من الرعاع والمنافقين! أنا أدرك ذلك وسماحة السيخ يجهله أو يتجاهله!

السلوك البشري يا سيدي الكريم هو نتاج المعرفة، والإنسان يتصرف كما تملي عليه حدود معرفته، عندما يسيء التصرف يجب أن يعاد النظر في طبيعة معرفته ومصادر تلك المعرفة. ولكي تعالج هذا التصرف يجب أن ترفع من مستوى، وتحسن طبيعة تلك المعرفة!

حب الصلاة والاقتناع بضرورة أدائها يتشربه الطفل في الخمس سنوات الأولى من حياته من البشر المحيطين به. إن صلوا أمامه حباً وطواعية لا رياء ومفاخرة وقسراً سيكبر لتكون الصلاة بالنسبة له طريقة حياة! أما عندما تعاقبه بالضرب على عدم أدائها وهو في العاشرة تكون قد قمعت تصرفه ولم تغيّر شيئاً من مستوى طبيعة معرفته!

هناك فرق كبير بين القمع والتهذيب. الضرب يقمع والمعرفة تهذب. عندما نضرب الطفل سيبدأ حكماً بأداء الصلاة، وعندما يتحرر هذا الطفل من سلطة والديه، سيتحرر أيضاً من ممارسة صلاته!!

لكي تعيد تأهيل المسلمين يجب أن تعيد أولاً تأهيل سماحة الشيخ!

*********

أمريكا ليست في العراق من أجل النفط، فهي تستطيع أن تسيطر على منابعه بينما يسترخي رامسفيلد على كرسيه في حديقة البنتاغون وبوش يستحم في مزرعته دون الحاجة إلى المخاطرة بأرواح آلاف الأمريكيين. يكفيها دعم رئيس كصدام حسين كي تسيطر من خلاله على الأخضر واليابس. هي هناك كي نعيد تأهيل الشيخ. أرسلت جيوشها وأساطيلها لأنها تعي تماماً الخطورة التي بات يشكلها هؤلاء الرعاع والمنافقين ـ على حد تعبير سماحته ـ ليس فقط على أنفسهم وإنما على العالم بأسره. خاطرت بحياة أبنائها قبل أن تتفاقم تلك الخطورة!

دخلت أمريكا العراق في آذار، صرح سماحة السيخ على الفور: لا تستطيع أمريكا أن تعلمنا كيف نمارس ديننا!

في أيار بعض حوالي شهرين أصدر سماحته تريحاً آخر قال فيه: لقد تحول المسلمون إلى أمة من الرعاع والمنافقين!

أعتقد أن تصريحه هذا هو أول مظهر من مظاهر إعادة التأهيل. في سوريا ألغوا اللباس العسكري لطلاب المدارس وألغوا دروس التربية الوطنية والتوجيه السياسي، وهناك إشاعة كبيرة تقول بأنهم سيلغون دروس التربية الدينية في العام المقبل!

في السعودية صدرت قوانين تسمح للمرأة بقيادة السيارة وممارسة حقها الانتخابي، وصرح الأمير عبد الله مؤخراً: إن المرأة السعودية تعيش في زمان غير زمانها وهي تتحرك في المجتمع كخيمة متنقلة!!

في لوس أنجلوس، سحبوا نسخ القرآن الكريم من المدارس التي وزعوها عليها بعد الاحتجاج على ما كتب فيها عن اليهود والنصارى، ووعد القائمون من المسلمين على تلك الأمور بإيجاد ترجمات (!!!) جديدة (!!!)

لم يمضِ على وجود أمريكا في العراق سوى خمسة أشهر، وما رأيناه حتى الآن ليس سوى غيض من فيض، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالمستقبل، ويبقى الزمن سيد الموقف!

*********

يرفض القارئ المذكور تعليقي على الطقوس التي يمارسها الشيعة في ذكرى عاشوراء ويقارنها من باب التبرير بطقوس تمارسها طائفة دينية في الصين ولي على رفضه تعليقان:

أولاً: لا تستطيع أن تبرر الخطأ بخطأ. عندما يسألك رجل البوليس، لماذا تقود سيارتك بسرعة تتجاوز الحدود القصوى المسموح بها، لا يجوز لك أن تبرر تصرفك بقولك أن الآخرين يقودون سياراتهم بنفس السرعة!

إن كلّ ما في العالم من أخطاء لا يمكن أن يكون كفارة لارتكابك نفس الخطأ!

ثانياً: عندما يقوم بضعة أشخاص من أصل بليون صيني بطقوس عنيفة ومرفوضة أخلاقياً ودينياً واجتماعياً لن تؤثر على مسيرة البليون صيني ودليل ذلك المكانة التي تحتلها الصين بين الأمم قديماً وحديثاً. أما عندما يقوم ثلثا شعبٍ ما بتلك الطقوس أو مباركتها لا بدّ وأنها ستؤثر عقلياً وسلوكياً على أبنائه.

منذ وعيت على الدنيا وأنا أقرأ ما يكتبه رجال الدين الشيعة في ذكرى عاشوراء. لم أقرأ في حياتي لأحدهم إشارة إلى ضرورة إعادة النظر في تلك الطقوس وطرح سلبياتها.

لدى كل شعب على سطح الأرض طقوس دينية مرفوضة، هذا صحيح. ولكن لدى كل شعب كتّاباً ومفكرين يرفضون تلك الطقوس ويحذرون من خطورتها! لا أحد يتهمهم بالردّة ولا أحد يهدد بقتلهم! أما عندنا فيكفي أن يدّعي أي إنسان بأن ما يقوم به ـ على علاته ـ إنما يقوم به لأجل الله ودينيه، كي يصبح هذا العمل بكل سلبياته جزءاً من قدسيّة الله! والويل لمن انتقد أو اقترب من تلك القدسية!

***********

لا يريد السيد القارئ أن يذكّرني بعمق الحضارة العراقية، ولا يريد ـ على حدّ تعبيره ـ أن يذكّرني بأن أول من سن القوانين هو حمورابي!

في كل بقعة على سطح الأرض سادت حضارات ثم بادت. الماضي لا يعطي أي مصداقية للحاضر! أنت ابن اليوم، يقيّمك عملك وليس حجم الطربوش الذي ارتداه جدّك!

يحضرني بهذا الخصوص قول الإمام عليّ (كرّم الله عقله): "من أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه"، هذا إذا اعتبرناك ـ تجاوزاً ـ تعود من حيث النسب إلى حمورابي وتجاهلنا الحقيقة المرة ـ !!! ـ بأن حمورابي ليس عربياً ولا مسلماً!!!

*********

يبدي السيد محمود استياءه من تساؤلي: "هل هذا الشعب قادر على حكم نفسه؟"!

ذكّرني يا سيدي بحقبة تاريخية كنتم قادرين فيها على حكم أنفسكم. فلربما أنا ـ وكما تتهمني ـ أجهل التاريخ!!

قال عبد الله بمن عباس ـ رضي الله عنه ـ دخلت على أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بذي قار (منطقة قرب الكوفة) وهو يُخْصِفُ نعله (أي يخرزها) فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها فقال عليه السلام: والله لهي أحبّ إليَّ من إمرتكم!

إذا كان علي بن أبي طالب كأكبر مفكر وأعظم قائد في تاريخ الإسلام عاجزاً عن حكمكم، فمن فيكم يستطيع؟!!

ومن كلام له ـ عليه السلام ـ أخلاقكم دقاق وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق.

*********

هل أعدتم النظر في أخلاقكم وفي طريقة ممارستكم لدينكم عبر مسيرة التاريخ منذ حكم عليّ وحتى حكم بريمر كي يتسنى لي أن أقول: هذا الخلف خير من ذاك السلف؟!!

ما يفعله هؤلاء الرجال من ضرب وتمزيق لأجسادهم ليس حزناً على موت الحسين ولكن عقاباً لأنفسهم من أنفسهم لأن كل شيء عندهم قد مات!!

نعم يا سيد محمود أنا لا أعرف الأسباب التي من أجلها قُتل الحسين ولا أريد أن أعرفها! المشكلة ليست مشكلتي ـ كما قلت ـ بل هي مشكلتكم!

عندما تتفقون على تلك الأسباب سنيون وشيعيون، أعدك بأن أغيّر موقفي وأعيد النظر في قراري، ولكن طالما كانت تلك الأسباب ولم تزل القشة التي قصمت ظهر الأمة إلى يوم الدين لن يكون لتلك القشة في حساباتي أي اعتبار!!

لقد عدت لتوي من زيارة إلى الوطن الأم بعد غياب دام ثلاثة عشر عاماً. زرت خلالها الجامع الأموي في مدينة دمشق وتجولت داخل مقام راس الحسين. على جدار المقام كتب دعاء جاء فيه: اللهم قاتل الأمة التي قتلتك!

وتسمرت في مكاني متسائلة: هل قتله مجموعة من الأفراد أم أمة بكاملها؟!!

أتمنى أن تمتلك الجرأة الكافية كي تجيبني على هذا السؤال من فيض نفاقك الواسع فلقد اختلط علي الأمر: من قتله؟.. هل هم الفرس.. الرومان.. الصليبيون.. الصهاينة.. أم المارينز الأمريكيون؟!!

أجبني يا محمود كي أبدأ معكم بالدعاء على تلك الأمة القاتلة!!!

*********

يختم السيد محمود رده بقوله (مستهتراً مستهزئاً): إنّ من (تشكّين) في أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم هم الآن في طليعة من (يتحاورون) مع قوات التحالف!!!

لا يستطيع الإنسان أن يتحاور مع عدوّه قبل أن أن يتحاور مع أهل بيته. يجب أولاً أن يتحاور علي مع معاوية ويزيد مع الحسين وزينب مع عائشة والسني مع الشيعي والعربي المسلم مع الكردي المسلم والحجاج بن يوسف الثقفي مع أهل العراق وصدام حسين مع الكويت وإيران وإلا فأنتم عاجزون.. عاجزون .. عاجزون!..

يذيّل القارئ رده بتنويه جاء فيه: أسجّل تقديري واحترامي لكل الشعوب والأقوام والأديان والمذاهب وطقوسها.

وسؤالي الأخير: هل تقديرك واحترامك قرار شخصي تجاوزتَ به تعاليمك وأصول تربيتك أم التزام بتلك التعاليم والأصول؟ عندما تجيبني على هذا السؤال سيكون لي حديث آخر، فإلى لقاء.

==================

(*) رد الدكتورة وفاء هو على تعليق كتبه القارئ المذكور في جريدة عربية تصدر في كاليفورنيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق