الثلاثاء، 1 يونيو 2010

عجاج يحاضر في الأخلاق!!

أعرف (عجاجاً) كما يعرفه الصغير والكبير في قريتنا، رجلاً شحّت أخلاقه، نضب وجدانه واختلّ توازن ضميره.. ولكن كي لا تختلَّ موازين الرجولة في قريته ظل اسمه يتصدّر قائمة الأسماء، فالمفهوم السائد في تلك القرية أن القوة تُحصى بعدد رؤوس الرجال حتى ولو كان الرأس برميلاً من القش!

عجاج رجل ساقته قوائمه إلى باب المختار، فعاش يجترّ فضلاته، وقضى حياته ينهق لحسابه. لم يمنعه وازع، ولم يهذبه رادع. سلب الناس حرياتهم، بصبص من ثقوب أبوابهم، غزا حرماتهم، هتك أعراضهم، عرّضهم مراراً للقسوة والضرب والظلم.. حتى صار الناس يخشونه بمجر ذكر اسمه.

في أحد الأيام وعلى غير العادة، قام المختار وأعوانه بدعوة السكان للاجتماع في ساحة القرية كي يطلعهم على آخر ما توصلت إليه الثورة المعلوماتية في القرن العشرين!

رقص المهتمون بالأمر فرحاً واستبشروا خيراً.. هرولتُ مع المهرولين، تسبقني أحلامي بأنني سأملأ جعبتي بما يغني عقلي ويغذي قريحتي!

كانت الوجوه ترزح تحت وطأة الصمت الكثيف. تبينتُ وجه هيفاء تشق طريقها عائدة من الساحة عبر البوابة الرئيسية. ركضتُ وراءها مستفسرة:

- ما الأمر؟!

- أعرفتِ من سيحاضر؟

- من؟

- عجاج بن غبرة!

- عجاج بن غبرة؟!!

- نعم سيحاضر في الأخلاق!!

- في الأخلاق؟؟

يا للكارثة!! ألم يجدوا موضوعاً يحاضرون به إلا الأخلاق، ولم يعثروا في قريتنا على خلوق سوى عجاج بن غبرة!!

******

تقول الثورة المعلوماتية يا سادة: الأخلاق ليست محاضرة تُلقى ولا درساً يُلَقَّن. إنها ســلوكٌ يُكتَسَب. أنت تحاضر في الأخلاق عندما تكون مستقيماً، قاطعاً كحد السيف. عندما تتقيد بإشارة المرور، فتكبح فراملك كي لا تتجاوز حدودك، وتعتدي على حرية الآخرين.

أنت تحاضر في الأخلاق عندما تصون لسانك وتعتني بنظافة فمك، فلا تمضغ لحم أخيك حياً كان أم ميتاً!

أنت تحاضر في الأخلاق عندما تدفع فواتيرك المستحقة وتأكل لقمتك بعرق جبينك.

باختصار، أنت تحاضر في الأخلاق (كما يقول مثل صيني) عندما تفعل الخير وأنت تعرف لا أحد يراك!.. بمعنى أنه ليس شرطاً كي تثبت أخلاقيتك أن تتسلق المنصة في ساحة القرية وتحاضر في الأخلاق. يكفي أن تدع سلوكك يثبت للناس من أنت. معن بن زائدة؟.. أم عجاج بن غبرة!!

أقفلت عائدة تستبقني قدماي، فارغة جعبتي إلا من يأسي وإحباطي وقناعة مطلقة: أننا أغرب قرية أُخرجت للناس!!

د. وفاء سلطان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق