الثلاثاء، 1 يونيو 2010

زهرات تقرأ صحيفة الصباح

د. وفاء سـلطان

لي صديقة إيرانية لم يكن قد مضى على وجودي أو وجودها في أميركا أكثر من عدة أشهر عندما التقينــا.

تصادقنا منذ أول لقاء. نشأت بيننا علاقة حميمة أساسها الودّ والاحترام. ورغم كونها أصغر مني سناً وأقل تجربة في الحياة، أعجبني فيها قدرتها الكبيرة على حسن الإصغاء.. تصغي إلى ما يقوله الآخرون وتستفيد من تجاربهم وخبراتهم.

دمثة الأخلاق، لينة المراس، خفَّفت عني غربتي وخفَّفتُ عنها غربتها. لم يمضِ أسبوع منذ ذلك الوقت دون أن نلتقي على غداء، أو على الأقل على صحن تبولة أو (شوربة آش). ورغم كل هذا وذاك، ما زلت مقتنعة أن هناك سبباً آخر أكثر أهمية لعب في قدرة كل منا على المحافظة على هذه العلاقة الودودة، ألا وهو كونها إيرانية لا تعرف مدخلاً إلى الجالية العربية، يُفسد علاقتها بي.. وكوني عربية، لا أعرف مدخلاً إلى الجالية الإيرانية، أجد فيه شخصاً يفسد علاقتي بها.. فالإنسان الذي ينتمي إلى شعب متخلف اجتماعياً هو إنسان ضعيف الثقة بنفسه وبالآخرين، تنهشه الغيرة والأنانية، وتفسد علاقته بالآخرين، وبالرعونة الدفينة في الإيذاء والإساءة.

من النادر جداً أن تلتقي مجموعة فينا، إلا ويحاول أحد أعضائها، أن يستغيب وينم محاولاً إفساد العلاقة بين الأعضاء الآخرين.. اللهم إلا إذا قامت العلاقة بين أعضاء هذه المجموعة على مصالح سياسية أو مادية أو شخصية أو طائفية لا تدخل ضمن نطاق تعريفي للصداقة الخالصة، والعلاقات الاجتماعية السليمة!

شيء واحد ينغّص علي الحديث مع صديقتي الإيرانية هو عبارةٌ لا أحبها، كثيراً ما ترددها خلال أحاديثها، كأن تقول: "التقيتُ فلانةً أو فلاناً ولم يعجبني لأنه Low Class وتقصد أنه من طبقة اجتماعية دنيا!..

خشيتُ أن تخطئ صديقتي في تعريفها للطبقة الاجتماعية الدنيا باعتبارها زوجة لرجل أعمال موفور المال ميسور الحال.. صمتُّ مراراً رغم انزعاجي، إلى أن فقدت يوماً قدرتي على الصبر فأعقبت بطريقة تدلّ على الانزعاج بقولي لها: "زهرات.. أريدك أن تكوني أمينة في ردّك.. ماذا تقصدين بكلمة Low Class وكيف تقيّمين شخصاً من الناس على أنه من طبقة اجتماعية دنيا؟..

ارتبكت زهرات وكأن الســماء هبطت فوق رأسها وحاولت دون جدوى أن تعرّف الطبقة الاجتماعية الدنيا.. لم أقتنع بجوابها، وتلك طبيعتي عندما لا يكون الجواب واضحاً كالشمس حاداً كالسيف!..

نظرتْ إليّ ومسحةُ خجلٍ تبدو على محيّـاها وتابعت تقول: "بالله عليك قولي لي كيف تعرّفين أنت الطبقة الاجتماعية الدنيا؟..

أجبت بلا تردد: من يعيش في مجتمعٍ مــا ولا يقرأ صحف وكتب ذلك المجتمع، يعتبر في نظري من طبقة اجتماعية دنيـا..

ومنذ ذلك الحين، وكلمـا اتصلتُ "بالمســكينة" زهرات لأطمئنّ عليها: "ماذا تفعلين؟.." تردّ ضاحكةً: "أقرأ صحيفة الصبــاح!!.."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق