الثلاثاء، 1 يونيو 2010

يا جلالة المفتي: السلام يحتاج إلى عقل والحرب إلى شلة مجانين!

بقلم د. وفاء سلطان

قبيل التفجيرات الإرهابية التي حدثت في الحادي عشر من سبتمبر الماضي بيوم واحد، نشرت جريدة عربية مهجرية وتحت عنوان "بشّر بسقوطها كما سقط الاتحاد السوفييتي" مقاطعَ من خطابٍ ألقاه مفتي لبنان الشيخ محمد رشيد قباني خلال رعايته لحفل تكريم المتفوقين في الدورات القرآنية لمساجد بيروت. جاء في الخطاب قوله: "قسماً بالله تعالى سوف تسقط الولايات المتحدة ونحن نسمع ونقرأ في كتب التاريخ عن دول كبرى سادت ثم بادت وانحلت ثم سقطت، والحمد لله أننا عشنا في هذا القرن وشاهدنا سقوط أكبر دولة ثانية في العالم هي الاتحاد السوفييتي. ومن الذي قال أن الاتحاد السوفييتي إذا سقط فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستبقى. إن سقوط الاتحاد السوفييتي هو إرهاص كبير بسقوط الولايات المتحدة الأمريكية قريباً إنشاء الله.. .. عندما تأتي اللحظة المحسوبة لن تنفع الولايات المتحدة الأمريكية تكنولوجياتها ولن تنفعها صواريخها، عندها تتفكك من الداخل وعندها تسقط من الداخل"

**********

عقب تلك التفجيرات الإرهابية الأخيرة، قارن بعض الكتاب الأمريكان على صفحات الجرائد الأمريكية ما حدث لمركز التجارة العالمي بما حدث لمينائها المشهور "بيرل هاربر" الذي قام اليابانيون بقصفة في الحرب العالمية الثانية. احتجت الجالية اليابانية الأمريكية بشدة. كتب كثيرون يعترضون قائلين: إن ضرب الميناء كان عملاً عسكرياً بحتاً أملته الحرب ولم يسبب ضحايا مدنية، أما ما حدث لمركز التجارة العالمي فهو إرهاب ديني استهدف أناساً مدنيين أبرياء."

**********

اقتحم أحد المهووسين دينياً كنيسة في إسلام آباد وقتل ثمانية عشر شخصاً. أثناء مراسيم التشييع صاح رجل من الحضور: سننتقم.. سننتقم!.. فنادى عليه رجل الدين الذي كان يقود المراسيم طالباً منه بأن يسكت وقائلاً له: "نحن أتباع رسول يدعو إلى السلام، وتعاليمه لا تسمح لنا بالانتقام." وسواء كان رجل الدين ذاك يعني أو لا يعني ما يقول، فقد جسّـد على الأقل بقوله موقفاً يستحق الإشارة إليه!

*********

أنْ يقفَ مفتي لبنان كأعلى سلطة دينية هناك، يُفتَرضُ أنها تمثّل الله على الأرض، ليدعو إلى خراب أمة وتدميرها أمام جيل من الشباب، فهو أمرٌ خارجٌ بالتأكيد عن تعاليم كل الأديان.

كان حرياً بهذا الشيخ أن يرفع يديه إلى السماء ويبتهل: ربي لقد ظلمتنا حكومات أمريكا والاتحاد السوفييت، ونحن أناس لا حول لنا ولا قوة إلا بك. اهدِ يا رب هذه الحكومات إلى ما فيه خير البشرية والبشر أجمعين.

لو فعل ذلك لجسـّد هو الآخر موقفاً يستحق الإشارة إليه، ولكن خاب ما فعل! أقولها ليس دفاعاً عن أميركا وإنما دفاعاً عن الإسلام!

لو دعا إلى دمار أميركا مصطفى طلاس أو معمر القذافي لقبلنا الدعوة شاكرين لهؤلاء الأبطال الصناديد مواقفهم وانتصاراتهم، فخبرتهم في الحرب والقتال تستحق الاحترام!.. أمريكا انتقمت لقصف مينائها بأن قامت فدكّت مدينتين يابانيتين تحت الأرض بالقنابل الذرية وقتلت مئات الألوف.

هل سمعت في حياتك يا جلالة المفتي أن رجل دين بوذي قد اعتبر حرب أمريكا ضد اليابان حرباً ضد البوذية ودعا إلى تدمير أمريكا؟!!

هل سمعت في حياتك أن رجلاً بوذياً وانطلاقاً من تعاليمه الدينية قد فجّر طائرة مدنية أو انتحر داخل مطعم أمريكي قاتلاً كل روّاده؟!!

**********

بريطانيا استعمرت الهند وخرجت منها بعد أن استنزفت كل ثرواتها وطاقاتها المدنية، حطمت آثارها واستخدمت حجارتها لبناء السكك الحديدية ومحطات القطارات. هل سمعت في حياتك أن الاستعمار البريطاني كان موجهاً ضد الهندوسية وأن هندوسياً قد فجّر نفسه دفاعاً عن دينه؟..

على العكس تماماً، نَجَمَ عن هذا الاستعمار ولادة أكبر داعية سلام في العالم وهو رجل الدين الهندوسي المعلم غاندي، الذي استقبلته ملكة بريطانيا حافياً وشبه عارٍ في قصرها. أمام رسالة ذلك الرجل الهزيل العاري حنت أعظم إمبراطورية رأسها لتحصل الهند بعد ذلك على استقلالها.

**********

أضافت الدولة العثمانية إلى سجل تاريخها الحافل بالجرائم أبشع جريمة بحق البشرية في القرن العشرين حين قامت بإبادة أكثر من مليون أرمني. ما زال الأرمن في كل بقاع العالم يناضلون سلمياً من أجل إلزام الأمم المتحدة بالاعتراف بتلك الجريمة وتحميل تركيا مسؤوليتها دون جدوى!.. اليأس لم يدفع الأرمن إلى اختطاف طائرات مدنية وتفجيرها في المباني المدنية كما ولم يقف رجل دين أرمني ليعلن الجهاد المقدس ضد تركيا!

عندما نكبت الهزة الأرضية تركيا، كانت أرمينيا أول دولة في المنطقة تهرع لعرض المساعدة على جارتها المنكوبة متناسية ولو إلى حين الأيدي التركية الملطخة بدماء ضحاياها.

ليس هو الله الذي أملى على الدولة العثمانية أن تقتل الأرمن، إنما كان هو الله الذي أوحى إلى الأرمن أن يساعدوا الأتراك في محنتهم.

**********

دمار أمريكا يا جلالة المفتي يعني موت ثلاثمائة مليون إنسان، ولا أعتقد أنك ستكون سعيداً عندما تقيم مملكة الله على جماجم ثلاثمائة مليون بني آدم.

يا جلالة المفتي منِ انتظرَ كي يبني بيته على أنقاض بيوت الناس سيطول انتظاره!!

في أمريكا ثلاثمائة مليون مشرد لجأوا إليها من شتى بقاع الكون. لا يوجد قرية صغيرة على سطح الأرض، بما فيها القرية التي ولدت بها جلالتكم، إلا وبين الأمريكان من يمثلها!.. لجأوا إلى أمريكا من كل حدب وصوب هرباً من الاضطهاد الديني والاجتماعي والسياسي والعرقي والاقتصادي، وأنشأوا مملكتها بعرق جبينهم. شعب يعمل في الليل والنهار، يُعتبر من أكثر شعوب الأرض تهذيباً واحتراماً للإنسان بغض النظر عن دينه وعرقه وأرض ولادته!!

في أمريكا كلٌّ يعبد ربّه بطريقته، لا يذبحون بعضهم بعضاً على الهوية ولا يطلّقون امرأة من زوجها قسراً، ولا يصدرون الأحكام بالقتل على من فكّر واجتهد حتى ولو أخطأ!.. لا أحد فيها يدّعي أن دينه هو الأفضل ولا أنَّ عرقه هو الأخْيَـر!.. كل عنزة في أمريكا برجلها تُنـاط!

الله في أمريكا يتكلّم ثلاثمائة لغة، لا يفضّل واحدة منها على الأخرى!

أنا يا جلالة المفتي أستطيع أن أقف على بوابة البيت الأبيض وأصيح بأعلى صوتي: فليسقط بوش!

في أمريكا، أنا لست ملزمة أن أقف خلف قضبان سجني بعد أن أكَلَتْ أحذية العسكر من جسدي لأهتف: بالروح.. بالدم.. نفديك يا قائد!

في أمريكا لا يوجد قائد. كلنــا أمريكيون قادة!

في أمريكا لستُ ملزمة أن أبلع الموسى على الحدين وأقول: أكلتُ منّـاً وسلوى!

في أمريكا يختلف الحال عما هو عليه في لبنان! عندكم، يقتحم العسكر بيوت الناس ويسلبون كرامتهم وأمنهم وحياتهم لتخرج جلالتكم على الناس مصرحاً: نحن وهم أشـقّاء!!

دمار أمريكا يا جلالة المفتي يعني زوال البقعة التي يستطيع فيها الإنسان أن يصرخَ عندما يُهان. وعندما تزول تلك البقعة سيصبح العالم كله تحت رحمة فتواكم: "نحن وهم أشــقّاء!!"

بين قريتك وقريتي في الوطن الأم ضربة حجر. لكني زرت البيت الأبيض ولم أزر بيتك، وتجوّلت في مطبخ جورج واشنطن بفرجينيا ولم أتعرف على قلعة بعلبك. الطريق بيني وبينك لم تكن يوماً سالكة أو آمنة. كانت دائماً محفوفة بالألغام الطائفية والإقليمية والتاريخية، وكلما حاول مفكّر منا أن يبطل مفعولها تطل علينا جلالتكم بفتوى تكفيره والأمر بقتله!

النزاعات بين البشر، والحروب يا جلالة المفتي أحداث تاريخية والتاريخ دوماً يعيد نفسه. إدانة تلك الحروب والعمل على تفاديها واجب البشرية جمعاء. ولكن أن نحوّل الله إلى عسكري يحمل بندقية وينطُّ من خندق إلى خندق، يتبع أهواءنا واتجاهاتنا السياسية ومصالحنا الشخصية واعتباراتنا الوطنية فإنه لأمرٌ يرفضه العقل السليم.

اللهُ أسمى من أن يهبطَ إلى ساحات القتال، لأنّ الله محبةٌ وتسامحٌ وسلام. دلّني على الإله الذي يختار شعباً دون آخر أو يفضّلُ أمةً على أمةٍ، أو يأمرُ إنساناً بقتل أخيه الإنسان؛ دلّني عليه كي أسحبَ منه ورقة اعترافي به!!

نعم يا جلالة المفتي، الحروب أحداث تاريخية، ولكلِّ إمبراطورية عبر التاريخ قبضة من حديد. هذا ليس تبريراً لسياسة أمريكا، وإنما حقيقة تاريخية لا يستطيع أحد نكرانها.

ألَمْ يُغرِق طارق بن زياد سفنه بعد غزوه لإسبانيا صائحاً في جنوده: "البحر من وراءكم والعدو من أمامكم فأين المفرّ؟!. عندما تقتحم بلداً آمناً وأنت تفترض سلفاً أن سكانه أعداء لك، أليس ذلك دليلاً على أنك تمتلك قبضة من حديد وستضرب بها كل من يقف بوجهك؟

ألم يكن للإسبان وقتها وطنٌ آمن يعتزون به ويفخرون؟ أتمنى ولو مرّة واحدة أن تقرأ التاريخ من كتبهم وتصغي إلى وجهات نظرهم، علّك تصبح قادراً أن تجيبني على سؤال: "لماذا ارتدّ الشعب الإسباني قاطبة إلى دينه الأصلي بعد ثمانية قرون من الحكم الإسلامي؟!.. كيف ستقرأ التاريخ لو أن الرجل ذي السلطة الدينية العليا في إسبانيا خرج يومها إلى الناس ليقول فيهم: ربّي دمّر العرب والمسلمين!!.. ألن تقول خاب ما فعل؟!

لقد أظهرت شماتتك بسقوط الاتحاد السوفييتي ونسيت أنك ما زلت تحارب عدوّك بسلاحه، وعندما ينفذ هذا السلاح لن تجد في بيتك عصا تحمي بها نفسك!

لولا الاتحاد السوفييتي لكنتم اليوم تتباكون على دمشق وبيروت والقاهرة وليس فقط على غزة والضفة الغربية. الإنسان المخلص يعترف بالجميل حتى ولو كان مثقال ذرّة. لقد أدركت أميركا كما أدركت روسيا، ومن خلال علاقتكم بالاتحاد السوفييتي الذي دعم قضاياكم على الساحة الدوليّة قرابة نصف قرن، ومن خلال مواقفكم من سقوطه، أنكم لستم أهلاً لأن تكونوا أصدقاء مخلصين.

خمسون مليون روسي طحنهم الحقد النازي، ولو أصرَّت روسيا على الانتقام لضحاياها وتاريخها لاستطاعت لاحقاً أن تزيل ألمانيا من خريطة الكون بكبسة زر، ولكنّ السلام يحتاج إلى عقل، أما الحرب فإلى شلّة مجانين.

هل أستطيع أن افهم من كلامك أنك لو امتلكت ما ملكت روسيا لكنتَ ستقضي الليل والنهار في كبس الأزرار؟!..

اطمئن يا جلالة المفتي. أميركا لن تنحل من الداخل ولن تسقط، إلا في حالة واحدة.. نعم، حالة واحدة فقط!

عندما تتحول فيها دور العبادة إلى شُعَبٍ للتجنيد. عندما يصبح كولن باول قسـاً والقس جيسي جاكسون وزيراً للدفاع!! وبعبارة أخرى، عندما يتسيّس دينها وتتديّن سياستها!

خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة، لم يُعِرِ الخبراء السياسيون اهتماماً لدين جوزيف ليبرمان المرشح اليهودي لمنصب نائب الرئيس، ولكن ما حذّروا الشعب منه هو عدد المرات التي جاء فيها ذكر اسم الله على لسانه. وكان ذلك التحذير بمثابة القشة التي قصمت ظهر آل غور رغم الدعم اليهودي اللامحدود لحملته الانتخابية!

**********

أتوسّل إليك يا جلالة المفني أن تتنحّى أنت وغيرك من أصحاب العمائم بعيداً. دعِ الله يحطُّ سلاحه ويرتاح قليلاً!.. أطلقِ الجيل الجديد من سجن فتاويكم. دعه يتعرّف على الله بطريقة جديدة فيراه للمرّة الأولى بلا خوذة وبذلة عسكرية!!

لقد أرهَقَنا القتل والقتال والدعوة إلى الجهاد بعد أن تحوّلت كل مدينة عربية إلى كربلاء!

اصمتْ قليلاً يا جلالة المفتي واعطنا فرصة كي نعرِّفَ الجهاد وفق مفاهيمَ جديدة. انزعِ الملحَ من الماءِ والرملَ من الصحراء والحقدَ من النفوس. فكر نصف ساعة خيرٌ لك من أن تصلي نصف قرن، وكن على يقين، أن يداً تعملُ، خيرٌ من مليون شفةٍ لا تتوقف عن رفعِ الدعاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق