الثلاثاء، 1 يونيو 2010

كلما ازداد جهلهم، ازداد قمعهم!

دكتورة وفاء سلطان. يناير 2002

====================

النظام الهرموني للمرأة ليس من صنع الأمريكــان، ولا من خلق وفاء سـلطان، ولا فتـوى يصدرها الشيخ الجليل!!

النظام الهرموني للمرأة إبداع إلهي، من أنكــره كفر بالله وضلّ!

*********

قارئ يســأل: من هي المرأة الناشــز؟!! ويجيب شــيخ جليــل (!!) على صفحات إحدى الجرائـد الصادرة هنـا باللغـة العربيــة، "هي المرأة التي ترفض أن تذهب مع زوجهــا إلى الســرير، وتلك المرأة ســتلعنهـا الملائكة حتى الصبـاح، وعندما تفعل ذلك تناديها حوريتـه من الســماء: وبحكِ هو عندكِ إلى حين! وســيعود إليّ عاجلاً!"

*********

الإنســان جملة وتفصيلاً، هو نتـاج علاقاتــه مع محيطه. منذ أن يبصر النور وحتى يصل إلى ذروة نضوجه الجسمي والعقلي والنفسي وهو في تفاعل مسـتمر مع بيئتـه، عبر علاقات اجتماعيـة تنجح تارة وتفشل تارة أخرى. لنجاحهــا وفشلها تأثير كبير على مدى تطوره ودرجة نضوجه. ولكي يُكتَبَ النجاحُ لأية علاقة بشرية يتوجب على كل طرف أن يعترف بوجود الطرف الآخر، يقدّر فرديّته، يحترمه ويؤمن بحقوقه، ويأخذ بعين الاعتبار عواطفه ومشـاعره ورغباتـه. ولا يخرج الزواج كعلاقة بين المرأة والرجل عن نطاق ذلك التعريف.

الرجل المســلم، وكنتيجة لتربية مرضيّة غير سليمة، عزل نفسه في قمقمه مترفعاً عن المرأة باعتبارها، وعلى حد رأيه، مخلوق دونيّ في العقل والحظ والإيمــان. لم يكن ترفّعه ناجماً عن سمو إنجازه، بل على العكس كان دليلاً واضحاً على عجزه وفشــله. ولم يؤدّ ذلك الترفّع إلى رفع شأنه إنما في الحقيقة قد زاد عزلته وفشله!

******

العلاقة التي لا تضمن سلامة الصحة النفسية والعقلية والجســدية لكلا الطرفين، هي علاقة قمعية تفقد مضمونها الأخلاقي والإنساني!

إنّـا إذا أردنا أن نفهم الجنس كجانب مهم لا كجانب أوحد من جوانب عدّة، تجسـّد العلاقة الزوجية، علينـا أن نفهم أولاً الآليــة الفيزيولوجية التي تتم بها تلك الوظيفة الجسدية. (وكلمة فيزيولوجيا تعني علم الوظائف الجسدية، وسأحاول جاهدة وبصورة مبسّطة للغاية أن أشرح عملية في غاية التنظيم والتعقيد).

عندمــا يُنَبـَّــهُ الإنسان جنســياً ســواءً عن طريق البصر أو السمع أو اللمس أو الشمّ، ينتقل التنبيه عبر الأعصاب وبواســطة السيالة العصبية (Neurotransmitters ) إلى منطقة صغيرة موجودة داخل النسيج الدماغي تُدعى ( Hypothalamus ) وتعُرف بالعربية ب "ما تحت السرير البصري". إثــارة تلك المنطقة، يحرّضها على إفراز هرمون يُدعى اختصاراً GNRH . هذا الهرمون ينتقل بالدم إلى غدّة صغيرة موجودة تحت تلك المنطقة وملتصقة بها تدعى الغدّة النخامية ( Pituitary Gland ). وعندمـا يصل التنبيه إلى تلك الغدّة تقوم بدورها بإفراز هرمون آخر يُدعى ( Gonadotropins ) .

ينتقــل هذا الهرمون بالدم فيصل عند الرجل إلى الخصي ويحرّض على إفراز هرمون التستستيرون أو الهرمون الذكري، ويقوم هذا الهرمون بتحريض الرغبة الجنسية عند الرجل ويحثّه على ضرورة الذهاب إلى فراش الزوجية.

أما لدى للمرأة، فيصل هرمون الغدة النخاميـة إلى المبايض ويحرضهــا على إفراز هرمون البروجسترون أو الهرمون الأنثوي. ويقوم هذا الهرمون بتحريض الرغبة الجنســية عند المرأة، ويحثهـا على ضرورة الذهاب إلى فراش الزوجية.

ليس تأجيج الرغبة الجنســية هرمونياً إلا المرحلة الأولى من مراحلَ عدّة تمرّ بها تلك العملية لا أجد مبرراً للخوض في تفاصيلها كلها، لكنني أريـد من القارئ أن يستنتج مما تقدّم، أنّ الوظيفة الجنســية عند الرجل والمرأة على حدّ ســواء تخضع لنظام هرموني غاية في الدقّـة والانضباط، وأي خلل في هذا النظام يؤدي إلى خلل في تلك الوظيفة سواء عند الرجل أو المرأة.

تدلّ الدراسات العلمية على أنّ 35 بالمئة من النساء يُصَبن خلال فترة من حياتهنّ بنقص أو انعدام في الرغبة الجنسية بينما 15 بالمئة من الرجال يُصابون بهذا الخلل!

للجنس، كغريزة حيوانية، وظيفة مهمة وهي الحفاظ على التناســل، لكنه عند الإنســان يرقى إلى مستوى أعلى ليشمل وظيفة أخرى وهي المتعة.

الحيوان لا يمارس الجنس إلا عندما تكـون الأنثى جاهزة للتلقيح أما عند الإنســان فالأمر يختلف.

الرجل والمرأة قادران على ممارســة الجنس طالمـا كـان الجهـاز الفيزيولوجي لكل منهمـا ســليماً ومعافى. سـلامة هذا الجهــاز، تخضع إلى عوامل كثيرة، أهمهــا الوضع النفسي والطريقة التربويـة التي ينشــأ عليها الإنســان. كثيــر من اضطرابات ذلك الجهـاز تعود في أصلها إلى ضغوط نفسـية أو أســاليب تربوية قمعية أذكــر على سبيل المثــال لا الحصر، إحدى تلك الاضطرابات التي تصيب المرأة تحديداً وتُدعى Sexual Aversion Disorder (أعتقد أنه بالعربيـة: تناذر القرف الشديد) تُصاب خلاله المرأة بحالة قرف شديد يؤثر على جهازها الهرموني ويفقدها قدرتها النفسية والبدنية على ممارســة الجنس. يحدث هذا الاضطراب في معظم الأحيــان نتيجة لتعرض الأنثى خلال فتــرة ما من حياتها إلى الاغتصاب أو التعذيب الجنسي، أو نتيجة لتربية قمعية زرعت في ذهنها أن الجنس عمل قذر وأنّ الاستجابة للمتعة الجنسية خطيئة ستُحاسَبُ عليها.

*******

أية عدالة ســماوية تلك التي تسمح للرجل أن يقيّم المرأة فقط من خلال نشاطها في السرير؟!! وأية عدالة سماوية تلك التي تسمح له أن يصنّفها في حقل "النواشز" إن هي رفضت أن تذهب معه إلى ذلك السرير لعلّة قد تجهلها حتى هي نفسها، وتجهل أسبابها وعلاجهــا؟!!

اسمحوا لي أن أقصّ عليكم حالة من حالات كثيرة مشابهة شهدتها خلال ممارستي للطب.

اتصلت بي مرة صديقة تجهش بالبكاء وتريد مســاعدتي. هدّأتُ من روعها وطلبتُ منها القدوم إليّ.

تزوّجت نجوى منذ أكثر من عامين ولم ترزق طفلاً. أدركتُ لتوّي أن العقم هو الحالة المرضيّة التي استدعت نجوى للاتصال بي. كانت مفاجأتي كبيرة عندما أبلغتني أنهـــا ما تزال عذراء ولم يمسّها بشر. توقّعتُ في الحال اضطراباً وظيفياً أصيب به الزوج أدّى إلى عجزه وفشل الاقتران. كانت مفاجأتي أكبـر عندما شرحت نجوى قصتها بقولها: "بل المشكلة مشكلتي يا وفاء!.. إنني أحبه وهو يحبّني ويقدّرني ويحترم مشـاعري ولا يريد أن يجرح كبريائي. إنني أعاني من مشكلة نفسية، كلما اقترب مني أُصابُ بحالة هستيرية تفقدني صوابي فأدفعه بعنف، وأرفض الاقتران."

كنت قد قرأت عن حالة مشابهة في المجلة الطبية الصادرة عن نقابة الأطباء في سوريا، أشرف على علاجها الدكتور عبد اللطيف ياسين، المشهور والمختص بالأمراض النســائية والنفسية في مدينة دمشق. اتصلت به على الفور وكنّـا ثلاثتنا في عيادته صباح اليوم التالي.

كان التشخيص إصابة نجوى بحالة تُدعى vaginismus وهي حالة نفسية يسببها خوف شديد من الإحساس بالألم يؤدي إلى تقلّص العضلات المحيطة بالمهبل تقلصاً شديداً يزيد من اضطراب المرأة ويدفعها إلى رفض الاقتران. خضعت نجوى لعلاج نفسي وفيزيائي لمدة شهرين. في نهاية السنة، أنجبت طفلها الأول!

زارتني العام الماضي قادمة من أريزونا بعد قضاء شهرين في ضيافة أختها هناك. بلّغتني تحيّـات زوجها وأولادها الأربعة حماهم الله!

لو شبّ زوج نجوى في كنف الشـــيخ "الجليل" وتشــرّب تفســـيراته وتعليلاته المريضة، لَقــادَ زوجته منذ الليلة الأولى إلى بيت والدها: ابنتكــم امرأة ناشـــز ملعونة من الله!!

كم من النســاء المســلمات وقعن ضحيّـة تلك الطغمة الجاهلـــة التي لا تعرف الله!

*********

المرأة المسلمة مخلوق مظلوم ويائس، والمظلوم يتعلّق بقشـة. وفي بلادنا الإسلامية، رجل الدين هو وحده الذي يتحكّم بتلك القشـة؛ ينفخها بالاتجاه الذي يخدم مصالحه ويكرّس سيطرته. هذا الرجل لم يحفظ من العلم حتى قليله!.. عندما فشل في مواجهة تحديات العصر، وعجز عن اتخاذ أي قرار حيال ذلك، زاد شدّة قبضته على عنق المرأة كي يوهم نفسه أنه ما زال بخير!.. كلما ازداد فشله، ازداد قمعه لها. وكلما ازداد قمعه ازداد فشــله. صار يدور في حلقة مفرغة، لا يدري أيهما، فشله أم قمعه، يقوده إلى الآخر!!

عندما ضربت الهزة الأرضية تركيــا وتسببت بكارثة بشــرية، خرج مفتي البلاد يخطب في الناس: "لقد غضب الله على تركيا وعاقبهـــا بسبب انحراف النساء وانهيــارهم الأخلاقي"!!..

عندما يتهم الرجلُ المرأةَ بالانحراف، يهرب بطريقة غبيّـة وجبانة من مسؤولياته محاولاً أن يوهم ضميره المعذَّب بأن نشوزها لا نشوزه، وانحرافها لا انحرافه، قد قاد الأمة إلى الهلاك!!

يقول المفكّـر خالد دوران في كتابه (The Children of Abraham ) أن أعلى نسبة للجرائم التي تُرتكب بحق المرأة موجود في البلاد الإسلامية!

هل يعقل أن يبـــدع الله ثم يشــوّه ما أبدعه؟!.. هل يعقل أن يوزّع إبداعه بين المرأة والرجل على حدّ ســواء ثم يطلب من المرأة أن تلغي وجودها وتقمع مشــاعرهـا وعواطفها ورغباتهــا، بينما يطلب من الرجل أن يكون وحده صاحب القرار المطلق، يقود زوجتـه إلى السرير كما تُقادُ النعجة إلى الذبح؟!!

هل يعقل أن تدخل امرأة إلى عيادة الطبيب ماهر حتحوت رئيس المركز الإســلامي في لوس أنجلوس والمتحدث باسم المسلمين، تشكو انعداماً في رغبتها الجنسية ورفضها الذهاب إلى فراش الزوجية، فيشخّص لها علتها بقوله: "أنت امرأة ناشز ملعونة من الله"؟!!

لماذا يصمت هؤلاء الأطباء حيال الطريقة التي تُـقَـيَّـمُ بها المرأة المســلمة وتُعـامَـل؟.. هل صمتهم دليل على موافقتهم؟..

من المسلمين أطباء وعلماء في الفزيولوجيا والبيولوجيا والكيمياء وعلماء النفس والاجتماع.. لا أحد يشك بما يختزنونـه من علم ومعرفــة. لماذا يصمت هؤلاء حيال الطريقة التي تُـقَـيَّـمُ بها المرأة المســلمة وتُعـامَـل؟.. هل صمتهم هو نتيجةٌ لصراع نفسي بين ما زُرع في عقولهم منذ طفولتهم، وما اكتسبوه لاحقاً من علوم لا يشكّون بصحتها؟.. أم لعلّهم يخافون سيف الإرهاب الذي تسلّطه الطغمة الجاهلة فوق رقاب الناس!

لا أحد يريد أن يكون طه حسين أو نجيب محفوظ أو فرج فودة أو نصر حامد أبو زيد أو نوال السعداوي.. الكل يخاف القتل والتهجير!

يتصل بي قرائي المخلصون: نحن نخاف عليك يا وفـاء، وأنتِ لا تخافيــن؟!!

من قال لكم بأنني لا أخاف؟.. كلما كتبتُ حرفاً يدبّ الرعب في خلاياي. لقد عايشتهم في سوريا وقرأت عن إرهابهم في مصر والجزائر والصومال وأفغانستان والفليبين ودول كثيرة أخرى.

ليست الشــجاعة يا أصدقائي أن لا نخاف، بل الشــجاعة أن نفعل ما نخافه!!

يقول بنجامين فرانكلين: من يضحّي بحريته من أجل أمنـه لا يستحق الحرية ولا الأمن!

أعرفتم الآن لماذا نحن أمة لا تستحق الحرية ولا الحياة؟..

*********

هل التخلّف العقلي والنفسي الذي تعاني منه المرأة المسلمة صفة موروثة أم ميّزة مكتســبة؟!!

عندمـا تتشــرّب الأنثى منذ نعومــة أظفارهــا قناعـات تؤكـد لهــا بأنها مخلوق دوني في العقل والحظ والإيمــان، تسعى في حيّز اللاوعي عندهـا كي تكــون كما يريــد لها المجتمع أن تكــون، ناقصة عقل وحظ وإيمــان!.. تقمع رغباتهــا وعواطفهــا وملكاتهـا في محاولة يائســة لكسب رضى الرجل وتجنّب اتهامــه لها بالنشــوز والعصيان.

********

يميل الإنســان ذكراً أو أنثى إلى الانصياع للتيار العام، فالانتماء يمنحه إحساساً بالأمان. تُدعى تلك النزعة في علم النفس الاجتماعي: Social Conformity

كلمــا اضطربت الملكات العقلية والنفسية عند الإنسان يزداد عجزه عن مواجهة ذلك التيار، ويزداد انصياعه لتلك النزعة.

نصف بليون امرأة مسلمة تحتاج الآن إلى إعادة تأهيل عقلي ونفسي. هذه الطاقة البشرية الهائلة بحاجة لمن ينتشلها من براثن السرير كي تنطلق إلى حقول الإنتاج فتساعد في رأب صدع تلك الأمة وإلحاقها بركب البشر!.. قد تبدو هذه المهمة في غاية الصعوبة والتعقيد، لكنها ممكنة ومطلوبـة، وليس هناك وقتٌ أنسـب من هذا الزمن كي أبدأها وغيري من الغيورين على مستقبل هذه الأمة!

********

يقـــول المفكّـر الإســـلامي (شـابيير أختيـار) في آخـر مقطـع من كتـــاب لـه بعنـوان، Islam and challenge of the Modern World

"الإســلام يعيش الآن في عالم حديث مليء بالنظريات المتصارعة والشكوك الثاقبة والقوية والتي مصدرها بشكل عام الغرب الذي ينظر بعين الشــك المنطقي إلى كل ادّعــاء غيبي عقائدي لا أساس علميّ له."

"إن الاتكــال على الله فقط لم يعد يكفي وأصبح لا بدّ من أن نربط الجمل! نحن بحاجة إلى إعادة صياغة مصيرنا كمسلمين عن طريق القرارات الواعية كي نستحق السير نحو المستقبل"

****

أفكاركم المشوّهة عن الله، ونكرانكم لآياته في أنفسكم، صار مخزياً ومثيراً للعار. آن الأوان، ورحمة بأجيالكم القادمة، أن تعرفوا الله وتربطوا جمالكم!!

=========================

للحديث صلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق