الثلاثاء، 1 يونيو 2010

قرية صغيرة اسمها "العالم"!!

صاحت نجلاء بأعلى صوتها، "ماما.. ماما.." كنت في الطابق العلوي منهمكة في تصنيف بعض الأوراق، فرددتُ بصوتٍ أعلى، "ما الأمر يا نجلاء؟.." جاءني صوتها عالياً متسائلاً، "هل نحن يهود يا أماه؟؟.."

  • بل نحن عرب يا نجلاء.
  • أعرف، أعرف أننا عرب. ولكن ما أقصده، هل نحن عرب يهود؟!
  • ضحكتُ وأدركتُ أن نجلاء التي لم تبلغ بعد عامها الثامن قد وقعت في أزمة فكرية فاختلط عليها الأمر حيال قضيةٍ ما.. هبطتُ بسرعة إليها، "ما بك يا نجلاء؟..

  • إنني أراقب القنال 28 التي تحكي عن طفل يهودي قام بمعجزة إنسانية، فأوصل ضريراً ضالاً إلى بيته الذي يبعد عشرة أميال. إنني أريد أن أحذو حذوه فأصبح يهودية..
  • أحطتُ كتفيْ نجلاء بذراعي، وهمست أطمئنها: بإمكانك أن تكوني من تريدين أن تكوني يا صغيرتي ولكن كي تقومي بعمل إنساني كهذا، ليس شرطاً أن تصبحي يهودية!.. فلا العرق يا بنيتي ولا الدين يستطيع أن يحدد جودة الإنسان أو طبيعة معدنه. الإنسان الجيد يميل بطبعه لأن يكون فاعلاً للخير، محباً للعطاء، يهودياً كان أم عربياً، هندوسياً كان أو زرادشتياً!..

    *********

    أقدم هذه الديانات التي وصلتنا، لا يتجاوز عمرهــا ستة آلاف عام، بينما أكدت كل الدراسات العلمية أن عمر الحياة على سطح الأرض قد يصل إلى ملايين الأعوام. لا نستطيع أن ننفي عن الإنسان البدائي إيمانه أو حبه للخير والعطاء، علماً بأن ظروف حياته وصراعه مع الطبيعة يضفيان عليه شكلاً من أشكال الهمجية.

    جاءت الديانات، سماوية كانت أم بشـرية، لتروي بذور الخيـر في داخله لا لتزرعها، فالإنسان يولد بالفطرة محباً للخير، ولكن تحت ظرفٍ ما، قد يسيطر الشر على سلوكه وأفعاله.. ولم تستطع أية تجربة إنسانية عبر التاريخ البشري، أن تثبت تفوق عرق على عرق أو دين على دين، بل أكدت كل التجارب الإنسانية، أن الإنسان الجيد موجود في كل الأعراق، ويدين بأي دين من الأديان!..

    قام عالم اجتماعي أميركي مؤخراً بدراسة غريبة عجيبة، أكد من خلالها بالأرقام أن باستطاعة سكان الأرض جميعاً أن يسكنوا في ولاية تكساس ويكونوا موفوري الحال والمال والأرزاق، ولكن بسبب التعصب الديني والأحقاد العرقية، ضاقت الأرض بسكانها وشحت بخيراتها!!

    ********

    كوني من تريدين أن تكوني يا نجلاء، يهودية، عربية، هندوسية، بوذيةً لا يهمني.. المهم إياك أن تنسي يا بنيتي أنك أولاً وأخيراً، مخلوق بشري ينتمي إلى بقعة صغيرة متناهية في الصغر، منثورة في هذا الكون اللامتناهي الأطراف، بقعة صغيرة بحجم قريةٍ صغيرة. قريــةٌ صغيــرةٌ اســمُها العـالــم!!

    د. وفاء سـلطان

    ليست هناك تعليقات:

    إرسال تعليق