الثلاثاء، 1 يونيو 2010

حكاية بطيمان

منذ أن ركب بطيمـان بســاط الريـح وبرمج دشــداشته، ثم قصّ شـاربيه وأصابـع قبيلتـه، فقدنـا انتماءنا. صرنا شعباُ بلا هويّــة!

*********

من منكم لا يعرف بطيمان؟!!

بطيمان رجل ليس ككل الرجال، ســاعداه القويان لوّحتهمــا بالسمرة شمس الصحراء. شاربــاه المعقوفان يحاكيان جناحي صقر.

هو سعيد ولا يعرف سر سعادته. بيته يختلف عن كل البيوت، برمجوه له بطريقة تكنولوجية عالية المستوى. يكبس زراً فتغني له أم كلثوم، "هل رأى الحب سكارى مثلنــا.. مثلنــا". يرشف قدحه، يترنح يمنة ويسرة ويصيح، "مثلنـا.. مثلنــا.." دشداشته برمجت بطريقة تقيه حر الصيف وبرد الشتاء. حتى زوجاته أدرجت أسماؤهنّ في ذاكرة الكمبيوتر وبكبسة زر واحدة يعرف من جاء دورها لتكون رفيقة ليلته!.. يُحكى أن خللاً طرأ مرة على ذاكرة الكمبيوتر، فأبلغه أن عليه أن يقص أظافر رجليه، ولم يكن مضى على قصها اكثر من يوم. لما فعل ذلك ثانية التهبت، ولولا حلم الباري لابتلعته التكنولوجيا ولكان أصبح من ضحايا العصر!! اندسّ في مقعده الوثير ينفث دخان غليونه وهو يراقب برامج الأخبار. كان مهتماً بمجريات الأحداث في نيكاراغوا وبفيضانات الهند وإعصار فلوريدا وبورصة طوكيو، ولم يكن يدري ما الذي يجري في طابق بيته السفلي. اعتدل في جلسته، وقال يحدّث نفسه، يحكون عن عدم توازن طائفي في الحكومة اللبنانية - يبصق قرفاً - ويتابع: "ما الذي يعنونه بالتوازن؟!!"

ترد زوجته أميمة ورفيقته لتلك الليلة: سد تلك الآلة الخبيثة - مشيرة إلى الكمبيوتر - على علمي أنها تعرف كل شيء!! التوازن يا بطيمان، يا سيد الرجال، يعني التعادل. يعني أن تُوَزَّع المناصب بالعدل بين جميع الطوائف، كما تقسّم البيدر بين زوجاتك. أشاحت وجهها وعلامات الغصب على محيّاها: لعن الله تلك الآلة الخبيثة. يقولون أنها لا تعرف الغش!!

تجهم وجهه وتطاير الشرر من عينيه: تحكين بالسياسة يا مقصوفة الرقبة؟!! متى كنت تعرفين كيف تعلقين على هامش الأخبار؟!!

ابتسمت بغنج وتمايلت بدلال علها تخفف من حدة غضبه: أنسيت يا بطيمان يا سيد الرجال أن أبا محمد الجاسم زوج سميرة ابنة أخت جارتنا فطوم يشتغل مع الحكومة؟! لقد تعلمت من فطوم السياسة وأصول الحديث!

أومأ برأسه موافقاُ. لعن الله تلك الآلة الخبيثة. لقد شلّت ذاكرتي!

أخذهما الحديث في غفلة، تعطّل جهاز الإنذار في الطابق السفلي حيث اندلعت النيران، ولم يدرِ أحد مصدرها. أكلت الأخضر، حرقت اليابس، وخلّفت الحياة رماداً. مات من مات، وفر بطيمان من باب قصره السري هائماً في الصحراء، يلعن أميمة والسياسة وآلتهما الخبيثة. وينشد قصيدة جدته:

لَبيت تخفق الأرواح فيـه، أحب إليّ من قصرٍ منيفِ

ولبسُ عباءةٍ وتقرّ عيني أحبّ إليّ من لبس الشـفوفِ

وكلب ينبحُ الطرّاق دوني، أحبّ إليّ من أسـدٍ عنيفِِ

د. وفاء سلطان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق