الثلاثاء، 1 يونيو 2010

تشقلب الخليفة على قفاه مقهقهاً: أعطِهِ يا غلام ألفَ دينار!!

وقعت بين يدي مجلة اسمها "منار الهدى" تصدر في لبنان، على صفحتها الأولى كتبوا أنها مجلة دينية، ثقافية، اجتماعية، جامعة.. لمستُ من خلال تصفحها ادّعاء القائمين عليها بتنشئة الجيل الجديد دينياً وأخلاقياً واجتماعياً وعلمياً!!

على إحدى الصفحات وتحت عنوان (تراثيات) قرأت هذه القصة، أنقلها لكم حرفياً:

"من الرجال من يُطلّق زوجتَه فتتبعها نفسه ويندم على ذلك، فقد رُوي عن الوليد بن يزيد أنه طلّق زوجته سعدى، فلما تزوجت اشتد ذلك عليه وندم على ما كان منه، فدخل أشعب فقال له الوليد: هل لك أن تبلّغ سعدى عني ولك عشرة آلاف درهم؟؟ قال أقبضنيها، فأمر له بها، فلما أخذها قال: هات رسالتك، قال ائتها فانشدها:

أسـعدى هل إليك لنا الســبيلُ ولا حتى القيــامـة من تلاقِ

بلى ولعـلّ دهــراً أن يؤاتي بموتٍ من خليلــكِ أو فـراقِ

قال: فأتاها أشعب فاستأذن ودخل، فقالت له: ما بدا لك في زيارتنا يا أشعب؟ فقال يا سيدتي أرسلني إليك الوليد برسالة، ثم انشدها الشعر، فقالت لجواريها: عليكنّ به. فقال: يا سيدتي إنه دفع لي عشرة آلاف درهم فهي لك واعتقيني لوجه الله، فقالت: والله لا أعتقك أو تبلغ إليه ما أقول لك. قال: يا سيدتي اجعلي لي عطية. قالت: لك بساطي هذا، قال: قومي عنه، فقامت فأخذه وألقاه على ظهره وقال هاتِ رسالتك، فقالت:

أتبكي على ســعدى وأنت تركتهـا فقد ذهبت سعدى فمـا أنت صانعُ

فلمّا بلّغه الرسالة ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأخذته كظمة، فقال لأشعب: اختر مني إحدى ثلاث، إما أن أقتلك، وإما أن أطرحك من هذا القصر، وإما أن ألقيك إلى هذه السباع فتفترسك. فتحيّر أشعب وأطرق ملياً ثم قال: يا سيدي ما كنتَ لتعذّب عيناً نظرت إلى سعدى، فتبسّم الوليد وخلّى سبيله.

بعد انتهائي من قراءة هذه (التراثيات) !!! داهمني السؤال التالي: ما هي الرسالة الدينية والحضارية والتربوية التي تحملها هذه (التراثيات) إلى الجيل الجديد؟!!

* عندما لا يتورع الخليفة ووالي شؤون الأمة أن يتطاول على امرأة متزوجة فيسألها وصالاً كيف سيتورّع شاب مراهق ، هائج جنسياً وعاطفياً عندما يقرأ هذه المقالات؟!!

* عندما يدفع الخليفة ووالي شؤون الأمة عشرة آلاف درهم بخشيشاً لرجل معتوه يذكر التاريخ انه كان يبيع كرامته بلقمة بطنه، كي يقوم بإيصال بيتٍ من الغزل الرخيص إلى عشيقته، ألا يجوز لرجل السلطة المعاصر أن يتساءل: ولماذا لا يحق لي أن افعل ذلك الآن؟!!

* عندما لا يتورّع رجل أن يسحب من تحت امرأة بساطاً تجلس عليه ولا تملك غيره، مقابل أن يؤدي لها خدمة تدافع بها عن نفسها وشرفها، كيف نعلّم جيلاً أن يكون متسامحاً، خلوقاً، فعّالاً، متفانياً في الدفاع عن النفس والشرف؟!!

* عندما تثور غرائز الخليفة، ويفشل في إيجاد من يخمدها، يقتل رعيته بلا رحمة، فيقطع رؤوسهم، أو يرميهم من قصره، ويلقيهم للوحوش الضارية!! إنه في الحقيقة مثل يحق لأجيالنا المعاصرة أن تحتذي به!!!

- ما الفرق بين أشعب وبين أي وزير خارجية عربي الآن؟!! الفرق واحد: أشعب كان يفاوض امرأة عربية مغلوب أمرها اسمها سعدى، ووزير خارجيتنا يفاوض امرأة أميركية قادرة على أمرها اسمها أوالبرايت، ولن يستطيع أن يسحب البساط من تحت قدميها قبل أن تسحب عينيه من محجريه!!

- ما الفرق بين الوليد بن يزيد وأي حاكم عربي الآن؟!! الفرق واحد: باع الوليد كوفيته ودشداشته، واشترى بدلة وربطة عنق من تصميم بيير غاردان، فاختلط عليه الأمر، وظن نفسه لبنة في جدار الشانزيليزيه، سمى نفسه رئيساً أسوة بديغول، وعين أشعباً وزيراً لخارجيته!!

لم يتبدّل شيء. وما زال ماضينا يتقمص حاضرنا. قفزنا بسرعة وبلمح البصر من ظهر البعير إلى جنح طائرة. هبطت علينا الحضارة دون سابق إنذار فأرهقتنا وسحقتنا!!

عندما كان مازن طالباً في المرحلة الثانوية، عانى جداً من مادة التاريخ، ولم يستسغ دراستها. طرحتُ مرة على مدرّس تلك المادة (مستر بولين) أثناء لقائي معه، لماذا تدرّسون التاريخ؟.. قال: لسببين اثنين لا ثالث لهما. أولاً، كي لا تعيد الأجيال أخطاء الأجيال التي سبقتها. وثانياً، كي نتعرّف على من أوصلنا إلى حاضرنا.

كنت أتمنى لو أن عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا تبيح الحوار، كي أسأل هؤلاء المصرّين على نقل تلك (التراثيات) بحذافيرها دون غربلة أو تنقيح: ما هي الرسالة الدينية والحضارية والأخلاقية التي تبغون أن تنقلوها إلى الأجيال المعاصرة؟!!

ألا تأخذكم رحمة بتلك الأجيال؟!!

د. وفاء سلطان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق