الثلاثاء، 1 يونيو 2010

الأمة التي لا تستطيع أن تنجب طفلاً حراً لن تستطيع أن تصنع رجلاً حراً

د. وفاء سلطان

أي عادات وتقاليد تريدونني أن أدافع عنها في مهجري، وقد قُمعت المرأة فقُتلت إنسانيتها، وقُزِّم فكرها وكيانها وشخصيتها؟!..

أنا لا أستطيع أن أدافع عن عادات وتقاليد تتعامل معي على أنني مخلوقٌ ناقصُ عقلٍ وحظٍّ ودين!

أنا لا أستطيع أن أدافع عن عادات وتقاليد تجرّني أنا وحنان العشراوي إلى المحكمة كي تُقابل شهادتي وشهادتها بشــهادة جارنا أبي علي الذي لا يعرف شحمة أذنه من أرنبة أنفه، لمجرّد أنه ذَكَـر ونحن أنصاف بشر!

قرأت في صحيفة مهجرية طرفة بذيئة، والطامة الكبرى أنها وردت تحت عنوان "ذكــاء امرأة". جاء فيها: "نظر رجل إلى زوجته وهي تصعد السلّم فقال لها: أنت طالق إذا صعدتِ أو نزلتِ أو وقفتِِ، فرمت نفسها على الأرض فضحك الرجل وقال: يفديك أمي وأبي، إذا مات الإمام سيحتاج إليك أهلي في تحكيمهم!.."

ماذا تريدون أن أقول لابني إذا ســألني: "ماما، لماذا حلف عليها بالطلاق؟.." هل تريدون أن أقول، "كي يختبر ذكــاءها!!"

وماذا تريدون أن أقول لابنتي إذا سألتني، "ماما، لماذا رمت نفســها على الأرض؟.." هل تريدون أن أقول، "كي تثبت ذكــاءها!!"

طبعاً لا، وألف لا. سأقول لابني، حلف عليها بالطلاق لأنه رجل مجرم متسلّط ظالم وخارج عن حدود الله. وسأقول لابنتي، رمت نفســها على الأرض، لأنهــا غبية ذليلة وخارجة عن حدود الله!

أنا لا أستطيع أن أقرأ تلك التراثيات إلا بعين الباحث عن البعد الاجتماعي والنفسي والعلمي لها، ولذلك لا أرى فيها إلا تربية فاسدة أنجبت رجلاً ظالماً وامرأة مظلومة، وبالتالي مجتمعاً متخلّفاً مشــروخاً!

أنا لا أستطيع أن أدافع عن عادات وتقاليد ترغمني أن أطيع أولياء أمري قبل أن تعلمني كيف أدوس في بطونهم وأقص أصابعهم عندما يتجاوزون صلاحياتهم ويتحوّلون إلى عصابة لصوص تعبث في وطني فسـاداً!..

قرأت في مجلة تصدر في الوطن الأم، يُفترَضُ من اسمها أنها تُعنى بالجيــل الجديد وتحافظ على سلامة عقله وأخلاقه، قصةً تحت عنوان "تراثيّـات"، جاء فيها: "مر الخليفة هارون الرشيد بأبي النوّاس يحمل زجاجة من الخمر، فسأله، ما هذا يا أبا النوّاس؟.. فقال أبو النواس: زجاجة من اللبن. قال أمير المؤمنين: ولكنّها حمراء اللون. فأجابه أبو النواس قائلاً: عندما شاهَدَك يا أمير المؤمنين احمرّ خجلاً!.. قهقه الخليفة وأمر له بألف دينار!

طالما أنتم تحافظون على هذه التراثيات وتنقلونها بحذافيرها دون تنقيح إلى أجيال القرن الواحد والعشرين، سيظل الخليفة يقهقه ضاحكاً عليكم، وأصابعه تمتد إلى خزائنكم، تخون أمانتكم وتحتقر عقولكم، تسلبكم رغيفكم ودواءكم وأمنكم ونوم عيونكم!..

أنا لا أستطيع أن أدافع عن عادات وتقاليد تزرع المتراس بين البيت والبيت، والسكين بين الصديق والصديق، والأحقاد بين الجار وجاره!..

كان الشيخ مســعود معلماً للتربية الدينية. على يديه تلقّنت أول درس في الدين. قال لي ولأقراني: احذروا أن تأكلوا في بيت النصراني، فهو قذر كالخنزير يدنّس على بعد أربعين قدماً!..

بينما كانت رائحة الكعك المطعّم باليانسون تشــدّني كل يومِ أحد إلى باب جارتنا أم جورج، التهم ما تقدّمه لي، ثم أراضي الصراع الذي خلّفه الشيخ مسعود في داخلي، فأكرر قول جدّتي، "إن الله يغفر للأطفال ويقبل التوّابين منهم". إذن ســآكلُ الكعك يوم الأحد وأتوب إلى الله يوم الاثنين.

كان الصراع في داخلي يزداد تأزماً، عندما يتظاهر الناس في ساحة المدينة من أجل تحرير فلسطين (!!) فأرى في مقدمة المتظاهرين الأب موريس والشيخ مسعود وقد تشــابكت أيديهم، واتحدت قلوبهم، قرآناً وإنجيلاً، فأتساءل دون جواب: هل عاداتنا وتقاليدنا ما نراه في ساحة المدينة أم هي ما يُلقّن ويُقال خلف الأبواب الموصدة؟!..

أنا لا أستطيع أن أدافع عن عادات وتقاليــد، خلّفت في داخلي صراعاً لم أستطع حلّه.. ولم تسمح لي بطرحه!.. أنا لا أستطيع أن أدافع عن عادات وتقاليــد ألقت في خضمّ الحيــاة الهائج، إنســاناً مذبوحاً من الوريد إلى الوريــد، عديم الثقة بنفســه وبالآخرين، ضعيف الإحســاس بالمســؤولية، فاقد القدرة على أن يصنع قراراً بشــأنه!

لم يبدأ ظلم الإنســان، وبالتالي، تخريب بنيته النفسية والعقلية، على أيدي الحاكم والسلطان، وإنما بدأ أول ما بدأ وهو في رحم أمه. قمعه جده وأبوه وجاره ومعلمه ورجل الدين والقانون، وفي آخر المطاف رجل السلطة، حتى صار القمع جزءاً من كيانه وهويّـتـه، فبدأ هو نفسه، من حيث لا يدري، بقمع نفسه، كي يدافع عن هذا الكيان وتلك الهويّـة!

لا يستطيع الحاكم أن يقمع إلا رجلاً قد جُهِّـزَ تربوياً لكي يُقمَع!.. لا يُخرس رجلٌ عن حقه إلا إذا تعلّم أن يَخرس وهو طفل.. وبعبارة أخرى: إن الأمة التي لا تستطيع أن تنجب طفلاً حراً، لن تستطيع أن تصنع رجلاً حراً!.

نحن جيل مضطرب نفسياً، متخلف عقلياً وسلوكياً، أنجبه جيل أشد اضطراباً وتخلّفاً!..

إذا كنتم عاجزين عن تغيير أنفسكم، كما عجز أسلافكم، فعلى الأقل، لا تمرروا عاهاتكم إلى أولادكم، بل ساهموا في خلق أجيالٍ جديدةٍ واعية جديرة بالحياة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق